كانوا نحو 800 جندي فرنسي على متن 250 آلية، والمطلوب قطع 400 كلم تفصل بين مدينتي دوينتزا وغاو في شمال مالي، وبعد معاناة استغرقت 13 ساعة الخميس الماضي وسط رمال الصحراء والخوف من الألغام والأعطال أنهت القافلة بسلام رحلتها المقررة. أتت القافلة من العاصمة السنغالية دكار الواقعة على بُعد 2500 كلم من باماكو، وهي تضم دبابات وآليات ثقيلة وخفيفة وشاحنات وسيارات تعمل بالدفع الرباعي. وبعد استراحة غادرت القافلة عاصمة مالي صباح الثلاثاء، وتوقفت في سيفاري (630 كلم شمال شرق باماكو) ثم في دوينتزا (800 كلم شمال شرق باماكو) وغادرت المدينة الأخيرة في الخامسة من صباح الخميس متوجهة إلى وجهتها الأخيرة مدينة غاو وسط طريق وعر صعب المسالك. وبما أن المجموعات الإسلامية التي كانت تستخدم هذا الطريق أُجبِرَت على الفرار أمام القصف الجوي الفرنسي الشرس عند بدء التدخل العسكري الفرنسي في الحادي عشر من يناير، فإنها زرعت فيها ألغاماً قبل رحيلها، القسم الأكبر منها يدوي الصنع، حسب ما أفادت مصادر عسكرية. ولا يمر يوم من دون أن تعثر القوات الفرنسية على أحد هذه الألغام، وهي تخشى تكرار تجربة مقاتلي طالبان في أفغانستان الماهرين في زرع الألغام في وجه قوات الأطلسي، وحصدت الألغام عديداً من القتلى بينهم أربعة مدنيين الأربعاء الماضي. وبعد نحو ساعة ونصف الساعة من انطلاق القافلة العسكرية من دوينتزا، تعطلت دبابة وتوقفت، وفي حين باشر التقنيون إصلاحها كان ركابها من الجنود يقفون إلى جانبها يدخنون السجائر وسط حرارة خانقة وجبال بنية صخرية شاهقة تذكر بالطبيعة الصحراوية في بعض أفلام الغرب الأمريكي. وقال أحد الجنود الفرنسيين المشاركين في القافلة «نحن كمن يشارك في رالي باريس داكار على متن آليات عسكرية عمرها نحو ثلاثين عاماً». وبناءً على أوامر من الضباط المسؤولين، طُلِبَ من العسكريين عدم ذكر أسمائهم. وما إن تتعطل آلية ما حتى تسارع آليات أخرى بإحاطتها من كل الجهات لحمايتها، كما ينتشر الجنود حولها لتأمين المنطقة. وقال أحد الضباط «نحن أمام عدو أصيب بالضعف، إلا أنه لايزال يملك قذائف صاروخية مضادة للدروع والطائرات». وتتكرر الأعطال في آليات القافلة، فالحراراة المرتفعة ورمال الصحراء والطرق الوعرة لا تساعد كثيراً على تقدم هذه الآليات غير المعتادة على هذه الطبيعة، وقال أحد العسكريين «إن آلياتنا غير مكيّفة، والحرارة في داخلها قد تتجاوز الخمسين درجة». وعلى مقربة من بلدة غوسي الواقعة على بُعد 230 كلم من دوينتزا، أُجبِرَت القافلة على التوقف لساعة، وقال أحد الجنود الفرنسيين «عثرنا على لغم يدوي الصنع». وبلدة غوسي صغيرة غارقة في الفقر، وتجمع سكانها على جانبي الطريق لتحية الجنود الفرنسيين وهم يصيحون «مالي مالي» و»مالي فرنسا». إلا أن عسكريين فرنسيين وماليين يؤكدون أن هذا التأييد ليس بالضرورة قاعدة عامة، موضحين أن هناك بعض القرى معروفة بانحيازها إلى الجماعات الإسلامية. ووصلت طليعة القافلة إلى غاو نحو الساعة 18.00 بتوقيت جرينتش، وهي المدينة الكبيرة الواقعة في شمال مالي (1200 كلم شمال شرق باماكو)، التي طُرد منها الإسلاميون في ال26 من يناير الماضي. وتعدّ غاو مفتاح الدخول إلى مدينتي كيدال وتيساليت في الشمال على مقربة من الحدود مع الجزائر. ودخلت آخر آليات القافلة التي كانت تنقل الآليات المعطلة مطار غاو، حيث يتمركز جنود فرنسيون، نحو الساعة الثالثة فجر الجمعة. وبعد ساعات من وصول القافلة قام شاب من الطوارق بتفجير نفسه أمام مركز مراقبة عند مدخل غاو، ما أدى إلى إصابة جندي مالي بجروح طفيفة.