وجدتهم يكثرون من الحديث في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن أن إحلال النشر الإلكتروني واستبدال الكتاب الورقي ب «سي دي» أصبح يحظى باهتمام قارئ اليوم (والمستقبل)، ويهددون الناشرين بأن من سيتأخر منهم عن قطار التطور سيفقد جمهوره شيئا فشيئا. الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ظل يفاخر وهو بجانب عاصم شلبي رئيس اتحاد الناشرين العرب بتجربته الرائدة في التسويق لمنتجه الراكد من مجلات ثقافية لا تحقق رواجا، مما جعله يتعاقد مع إحدى الشركات لتسويق المحتوى إلكترونياً فربح في أشهر قليلة مبالغ كبيرة. كان مجاهد يشير إلى دور نشر أمريكية يتقاسم فيها (الآن) النشر الإلكتروني مع نظيره الورقي سوق الكتاب، وينقل إلى ضيوفه ملاحظة القائمين على معرض فرانكفورت ممن أكدوا على أن الإقبال قد انخفضت نسبتة إلى 50%، وأرجعوا السبب إلى المنافسة الإلكترونية، وهو ما جعل دور النشر الكبرى لا تصدر كتابا إلا للناشئة والأطفال تحت سن 17 سنة. والآن أستأذنك – سيدي القارئ – أن تتأمل معي الوضع في المستقبل في حالة إحلال الكتاب الإلكتروني بدلا من شقيقه الورقي، لعلك تلاحظ أنه بعد أعوام لن تتمكن أبدا من زيارة أي معرض للكتاب، لسبب بسيط أنه لن يكون هناك أي معرض للكتاب! فالناشر يستطيع – أيضا – أن يستبدل ال «سي دي» – باستخدام التكنولوجيا المتطورة – بمنتج بديل يقوم ببيعه عن طريق الإنترنت، وهو ما سيوفر له نفقات التنقل بين العواصم المختلفة، ويريحه من عناء الشحن، والسفر، واستئجار المكان الذي لن يكون – حينها – سوى مساحة على قرص كمبيوتر لا يدفع في مقابلها أية نقود! وإذا أردنا – مثلا – الحفاظ على الفلكلور بإقامة المعارض فيمكننا أن ننشئ موقعا إلكترونيا يفي بالغرض، ونحدد لكل معرض وقتا معينا، فيدخل الزائرون بكبسة زر إلى أجنحته المختلفة، وبالتصفح يطالعون العناوين المختلفة، ويقتنون ما يريدون من الأعمال! أما ندوات الأنشطة الثقافية والفكرية فيمكن الحصول عليها بمشاهدة فيديوهات مسجلة مسبقا، أو مقالات تلصق عليها صور المتكلمين، ولا مانع من الجلوس على الكافيتريات باستحداث لعبة إلكترونية مسلية، فيلتقي فيها الأصدقاء بحيث يضع كل منهم نسخته الإلكترونية (حينها سيكون لكل منا مجسم إلكتروني يحمل بصمة صوته وملامحه الكاريكاتيرية) ويقابل من شاء ويضيفه دون أن يكترث بأي صعوبات مادية! وبإمكان الدولة صاحبة المعرض أن تجني أمولا طائلة بالحصول على نسبتها من إعلانات ستتدفق من الناشرين والمؤلفين فضلا عن شركات المياه الغازية والاتصالات وخلافه. وما سنفتقده في الواقع ونحن داخل غرف إلكترونية باردة هو نحن البشر، وكأن عالم الإنترنت الذي يتضاعف الترحيب به يوما بعد آخر، جاء ليفقدنا الصلة بالأشياء الحميمة، ويقيد حركتنا أمام شاشة صغيرة تنتزع حقنا في الحياة، وتقتلع جذور مشاعرنا، وسنفتقد الدهشة بعد أن يتم تحويلها هي الأخرى إلى أيقونة عادية في ظل القانون الإلكتروني: كل ما تحلم به تستطيع تحقيقه! آخر سطر: تزوجَ من امرأة منظمة كملفات الكمبيوتر وضحكتها تشبه أصوات الويندوز.