الالتئام والتفكك نقيضان، حتى في علاقات الناس ببعضهم، وفي طبيعة عواطفهم، وفي فهمهم لأنفسهم ومراداتهم. وحين يكون هناك التباس في فهم الواقع أو تقييمه فإن ذلك يمكن أن يكون سببا في تفكك الملتئم وتفتيته. إننا لا يمكن أن نخرج أي إنسان عن طبيعته الملتئمة إلا بالتلبيس عليه، ولا يمكن أن نخرج أي كيان عن التئامه أيضا إلا بالتلبيس على عقول المتعاقدين فيه. أي كيان اجتماعي لا ينفك عن الكيان السياسي الذي هو في عقد ضمني اعتباري معه، ومن أخطر ما يهدم التئام هذا العقل الإيهام بالمسافة بين القطبين اللذين يمثلانه، المسافة بين الاجتماعي والسياسي غير واقعية، إن التئام السياسي وثباته يعني التئام الاجتماعي وثباته، ومن غير الممكن أن تتحول فكرة الالتئام إلى تفكك إلا حين يتم تفكيك نظام الفهم في العقل الاجتماعي. وتفكيك نظام الفهم هذا لا يحدث إلا باستهداف القناعات والتشويش عليها، هذا الاستهداف وهذا التشويش يتوجه إلى إعادة الصياغة العاطفية، إنه يوهم عقلنا الاجتماعي بفكرة المدينة الفاضلة والكمال المتصور، وأن واقعنا لا يمكن تنميته ورعاية إيجابياته من داخله هو، قدر ما هو بحاجة إلى الهدم والنقض، ثم هو يزلزل عقلنا الاجتماعي أيضا بالإيحاء بالغبن، وكل هذا مكر نفسي فيه مبالغة وفيه خلط وتشويش، وفي العادة – أكثر الناس – لديهم قابلية للإحساس بالاضطهاد والفقد، هذه القابلية تحملهم على قبول الإيحاءات السلبية حتى تغرقهم في طوفانها. في مقابل هذا هناك الإيحاء بالتعاطف وهو شرك نفسي شديد المخاتلة أيضا. ونحن نتوهم الإيحاء بالتعاطف تعاطفا والإيحاء بالحرص حرصا وهكذا، لا يكاد العقل في العادة يفرق بين الواقع والإيحاء بالواقع، وحين يكون هذا في الصفات وفي طبيعة الكيانات الاعتبارية فإنه يكون أشد خطرا وأثرا، وحين يكون هذا من قبيل المبالغة والإلحاح على طلب الحظوظ الشخصية فإنه يكون أكثر تدليسا وتضليلا. إذاً، إذا حدث هذا، فنحن أمام فتنة الأحقاد والمكائد السياسية المعادية، وهو ما يتربصه بنا الذين لا يريدون عقدنا ملتئما متجانسا يتشاور في أمره ومصلحته بالنظر والرفق والصبر والحسنى والمفاهمة وتداول الأفكار وطرحها على طاولة الفحص والمراجعة. أريد أن أقول إن هناك التئاما إنسانيا بين كياننا الاجتماعي وكياننا السياسي، وهو فضل كبير نحن بحاجة إلى فهمه أولا وإلى المحافظة عليه ثانيا، ونحن بحاجة إلى تكريس الإيجابية. من غير المعقول أن نتصور سبيل تحسين الواقع بغير منطق الواقع، سنن الواقع لا تستجيب للعنف ولا الفوضى ولا الكراهية. في إمكاننا أن نجعل فكرة الحفاظ على التئامنا ركنا أعلى في عقدنا الاجتماعي، وألا يستخفنا أحد. ليس في وسع أحد أن يستخفنا إلا إذا استجبنا للتلبيس وأسلمنا نظام الفهم في عقلنا الاجتماعي – كما قلت من قبل – للتفكيك.