كيف نتعامل مع الاستحواذيين؟ هؤلاء فيهم من صفات العُصابيين أمراضهم ومن صفات العقلاء ظواهرهم. فنحن أمام ظاهر سليم وباطن معتل، وهناك موصل معنوي شديد الالتباس بين قطبي الظاهر والباطن عند هؤلاء الناس. هذا الموصل المعنوي الملتبس يحول الظاهر السليم إلى حيلة مخادعة لإشباع النهم المعنوي للباطن المعتل. وهذا الموصل المعنوي الملتبس هو في الواقع ما يمكن أن أسميه (الإرادة الواعية غير الإيجابية)، هذه فكرة الموصل المعنوي المخادع ومن الغريب أن يتحول استواء الظاهر وهو من إيجابيات الشخصية إلى معزز لاعتلال الباطن وهو في المقابل من سلبيات الشخصية الإنسانية. في العادة أزمة الاستحواذ أزمة شخصية إلا أنها مترتبة على أزمة أو اختلال في التربية وفي التصورات، أثر التربية شديد لكنه لا يمكن أن يتحول إلى ضربة لازب إلا في حالة واحدة، حين يتواطأ العقل مع طبيعة الأثر التربوي. إذا وقع هذا الأثر في حيز الهوى الشخصي وسطوة المرادات فإن العقل قد ينحاز وقد لا يعالج هذا النقص بعناية.كل الاستحواذيين متأزمون لأن عقولهم هي أهواؤهم ومراداتهم، إن العقل يغرق حتى يفقد صفته في صفة الاستحواذ، وهو لا يكون كذلك بشكل مطلق أو كامل، إنما بصورة جزئية، حين تتوجه إرادة الاستحواذي إلى مراداتها يكون عقله ما يريد بالقدر الذي تجده في أعلى منزلة العقل وصفته حين يكون الواقع غير مصادم لمراداته هو، فهنا العقل ونقيضه يجتمعان في خلطة معنوية غريبة الأطوار، إنها خلطة لا تغلبها الأخلاق ولا الأعراف ولا الاعتبارات الإنسانية ولا حتى حيل الاجتماعيين والنفسيين وذوي الذكاء العاطفي، ووجه خطورتها أنها هي ذات عقل فيه من المهارات ما يكفي لمكافحة جيوش الأخلاق بحيل تنطوي على قوتها في مارد إخلاصها لنفسها. فكرة الاستحواذ فكرة أصيلة لكنها مقيدة بتحرر الفكرة من سطوة العقل الأخلاقي، فهي إذاً صفة طفولية غير ناضجة إلا أنها عاتية إذا لم تنفك عنها الشخصية في كبرها. ربما السؤال هو: كيف نتخلص من هذا الفخ العدواني؟ إنه عدواني لأنه معطل للعقل إذ يؤسر العقل فيه فلا يكاد يتحرر أو يتنزه عن أنانيته فضلاً عن النزوع إلى الخلاص. هناك سبيل واحد في ظني للتحرر من نزعاتنا الاستحواذية، أن نتقمص أفكار الآخرين حين تشغلهم حاجاتهم –حتى المعنوية منها-، إذا فعلنا هذا سيتحول العقل إلى متعاطف أكثر منه منافسا أو منازعا أو أنانيا، وإذا فعلنا هذا فإن العقل سيتحرر بشكل تلقائي من فخ الاستحواذ ومن نزعة الأنانية. أهم ما في الأمر أن نفعل هذا بإرادة واعية إيجابية، ستلاحظون أنها نقيض الموصل المعنوي الملتبس، الذي هو الإرادة الواعية غير الإيجابية. هذا الموصل الملتبس سيحل محله القصد الإنساني غير الملتبس، وقليل فاعله.