نقلت محليات صحيفة «الشرق» في عددها 14 عن المدير العام للتربية والتعليم في مكةالمكرمة، بعد تكليفه في لقائه السنوي الأول بمديري ومديرات المدارس، «أنه توعّد بمساءلة ومعاقبة كل من يثبت عدم تجاوبه واهتمامه بحل المشكلات داخل المدارس، والقضاء عليها قبل استفحالها، وحين أتيحت المداخَلات، تنوّعت المطالب والشكاوى بين تنظيمية وإدارية ومالية، وكان النقص الواضح في تأمين مستلزمات المدارس من أهم المشكلات التي ركّز عليها معظم المداخلين والمداخلات، إضافة إلى عدم تجاوب مديري الإدارات التعليمية مع مطالبهم المختلفة؛ ما دعا المدير العام إلى قطع بعض المداخلات، واعداً المتذمّرين بحل مشكلاتهم، والنظر في همومهم، ومحاولة بذل المزيد من الجهد للقضاء على كل ما يعترض طريق تطوير وإنجاح عملهم». استوقفني الخبر المنقول بنصّه أعلاه، مثيراً تساؤلات حفزتني للاستقراء فالتحليل والاستنتاج؛ للتعرُّف على واقع التعليم في منطقة الخَبَر، لأطرح الوقفات الآتية: هل من المقبول أن يتوعّد المدير العام للتربية والتعليم مديري ومديرات المدارس، وأن يلوّح بالمساءلة والمعاقبة في لقائه السنوي الأول بهم؟ ومثل هذا لا يصدر إلا مع درجة من الانفعال والتوبيخ. هل تعاني معظم مدارس البنين والبنات فعلاً من مشكلات تعليمية وتربوية وإدارية ومالية وغيرها، بدرجة لا يمكن معها تأجيل أسلوب التوّعد والتلويح بالمعاقبة والمساءلة إلى ما بعد اللقاء السنوي الأول؟! هل معظم مديري ومديرات المدارس غير مهتمّين بمشكلات مدارسهم، وبمعالجتها وحلِّها والقضاء عليها قبل استفحالها استهتاراً ولا مبالاة، أو لأسباب خارجة عن إمكاناتهم وصلاحيّاتهم؟ أو لسوء اختيارهم واختيارهنَّ؟! هل معظم مديري ومديرات المدارس غير متجاوبين مع الإدارة التعليمية فيما يصدر عنها من توجيهات وتعليمات شفويّة ومحرَّرة، وعما تمرِّره إليها من أدلَّة ولوائح وزارية منظِّمة للعمل التعليمي والتربوي؟ هل كشفت المداخلات الواقع للمدير العام، فتبيّن أن الخلل في الإدارة التعليمية وليس في إدارات المدارس، وذلك من نقص واضح في تأمين مستلزمات المدارس، إلى عدم تجاوب مديري الإدارات التعليمية مع المطالب المختلفة للمدارس، فقطع المداخلات ووعد المتذمّرين بحل مشكلاتهم والنظر في همومهم، ومحاولة بذل المزيد من الجهد للقضاء على كل ما يعترض طريق تطوير وإنجاح عملهم؟ هل يعدّ وصف المدير العام للمتداخلين بالمتذمّرين بعد اكتشافه المسؤولية هروباً؟ وأن وعده بحل مشكلاتهم والنظر في همومهم يوحي بأنه أراد بذلك الخروج من هذا الموقف ليس إلا؟ ذكّرني هذا باللقاء السنوي الأول لمدير تعليم عنيزة بالمشرفين التربويين بعد تكليفه عام 1428ه، وللمقارنة أشير إلى الآتي: لقاء مفتوح لمدة تسعين دقيقة، استغرق حديثه منها ثمانين دقيقة، مشيراً إلى أهمية الحوار، ولم يتح لمحاوريه إلا عشر دقائق، علّق بنصفها على مداخلاتهم، فالحوار وإن لم ينتج الفكرة أو الرأي، فإنه يهيئ الأنفس لقبول ما لدى الآخر. أوضح أن الاختلاف في الرأي طريق إلى الوصول إلى الرؤية الأفضل أو الأصح، وهذا طرح نظريٌّ؛ إذ لا ينسجم مع تلويحه المتكرِّر بسياسات خاصة، وتهديده المتتابع بإجراءات ناقضة ومحيِّدة؛ فرسالته تقول «اختلفوا كما تشاءون، ولكن ليس معي ومع ما أطرحه ابتداءً وأريده انتهاءً». لوّح مراراً بأن هدفه من لقائه هو طرح سياساته الخاصة، وكأنّ الحضور يعملون سابقاً خارج أطر التنظيمات الإدارية والتربوية، وأن العمل التربوي والإدارة التعليمية اجتهادات فردية وسياسات خاصة لسابقيه، ومن ثم ستكون كذلك له، وبالتالي سيغيِّرها وفق ما يراه هو لا اللوائح والأنظمة الموجِّهة لذلك، ولكن لو دعا بدعوة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما ولّاه المسلمون أمرهم، بخطبة لم تستغرق بضع دقائق، لكان ذلك أسمى هدفاً ومنهجاً. هدّد وتوعّد بأنه سيلغي الاجتهادات الميدانية للمشرفين التربويين، كحلول لمشكلات آنيَّة يصادفونها في المدارس؛ خشية من مخالفتها للوائح والأنظمة الخاصة بأقسام أو بإدارات أخرى، تهديد ووعيد سينأى بالجميع عن مبادراتهم الميدانية، ثم هدّد ثانية بالمساءلة فيما لو ظهرت مشكلات مدرسية ولم يكن للمشرف التربوي دور في حلّها أو بالتخفيف منها، فهل يجتمع ذلك في طرح واحد؟ تحدّث عن مهارة المواجهة والمصداقية بالفكرة والرأي، وهذا يحتاج إلى ما يسمّى بالأمن الوظيفي؛ إذ لا ينسجم مع تهديده ووعيده المتكرر. تحدّث عن المنهجية والموضوعية وكأنما كان يرى أن سامعيه بعيدون عنهما، وأنهم يحتاجون إلى ذلك بأسلوب طرحه، علماً بأنهم قوَّموا حديثه في ضوء ذلك فخرجوا باستنتاجات فيها الكثير من التندُّر. أشار إلى أهميّة الإشراف التربوي وثقله في الميدان التعليمي والتربوي، وأن دعوته لمدير الإشراف التربوي لمشاركته اللقاء تعبير عن ذلك، علماً بأنه لم يتح له إلا دقائق لتقديمه، وأخرى لختام لقائه، فهل جلوسه إلى جانبه هو هذا الثقل؟أراد أن يوحي حديثه بالقوة في الإدارة طرحاً وتوجيهاً ورأياً واتِّخاذ قرار، مما هي سمات الإدارة التقليدية، فيما موطن القوة في القيادة التربوية الحديثة، وفي ضوء الجودة الشاملة في مجال التربية والتعليم تتبلور بمشاركة الآخرين القرار، وبغياب مصطلحات المسؤول الأكبر، وصاحب الصلاحية، وبالإيحاء بأن المعلومة لدى المسؤول الأكبر؛ إذ النظام ينبغي أن يكون معروفاً للجميع، وأن تكون لوائحه في متناول الجميع، وأن يُمِرّ القرار بقنواته في جوٍّ آمن وظيفياً وفكرياً يعكس عمل الفريق، في ضوء استراتيجية واضحة، وخطّة تشغيلية مبرمجة. يا وزارة التربية والتعليم، أين الأمانة العامة لإدارات التربية والتعليم، المحدَّدة مهامها بدليلها الإجرائي وهيكلها التنظيمي، برصد أداء الإدارات التعليمية في المناطق والمحافظات وتقويمه، وإجراء مقارنات بين أداء إدارات التعليم من جهة ومقارنتها عالمياً من جهة أخرى، وتحديد ضوابط ومعايير اختيار قياداتها والتمديد لها وإعفائها، أين هي من عتمة هذا الواقع للتعليم، كما تشي بها لقاءات بعض مديري التعليم؟!