انتظر التغيير طويلاً، عارض النظام، قضى سنين في سجون الأسد، ليخرج منها وقد «شاب شعره». جاءت الثورة، شارك فيها، غطى أحداثها بحماس، أُهدِرَ دمه ووضعت مكافأة على رأسه، لم يتراجع، عندما ازداد الخطر، وأصبح هناك من يجوبون الشوارع بحثاً عنه، هرب، ولحقت به أسرته. لن يعود، حتى لو انتصرت الثورة، فهو «من عشيرة الرئيس». حدثني منذ أيام، سألته عن الثورة التي ضاع عمره انتظارا لها، وتهدر الآن دم كل من هم مثله (علويون)، لم يجب بوضوح، قال إن أبناء الطائفة السنية في الأجهزة الأمنية والجيش يضاهون العلويين عدداً، «ليست إجابة»، صمت قليلا ثم قال «بلادي التي أهدرت عمري حلماً في حريتها طردتني عندما تحررت من القيود». يعيش في أوروبا الآن، «غريب الوجه واللون واللسان»، «لست وحدك» قلت له، كلنا تطردنا ثوراتنا، ولك في الفلسطينيين مثال، ضحكنا كشخصين أرادا بلادهما بكل ما يملكان، فاكتشفا أن بلادهما لا تريدهما. هو ليس حزينا، ومازال لديه أمل بمستقبل مشرق، قلت أنْ لا أمل لديه، ربما يعود أبناؤه يوما، لكنه سيدفن في تربة غريبة، لم تطأها أقدام أجداده، لن يبني أبناؤه قربها بيتاً، وسيكون قبره موحشاً لا يزوره أحد. «وأنت هل سيزور قبرك أحد» سأل ساخراً، «لا» لكني كفلسطيني أعرف هذا المصير، غريب في كل مكان، وحتى وأنا حي «لا يزورني أحد».