صنعاء – عصام السفياني رجال الدين ومراكز القوى يُعيقون مبادرات وقرارات هادي. القوى السياسية تلعب دوراً مماثلاً للقوى العسكرية بوقوفها ضد الرئيس. الرئيس سيُخرِج البلاد من هيمنة القوى التقليدية ومراكز النفوذ المتسلطة. صعّدت مراكز القوى القبلية والعسكرية وأطراف العملية السياسية في اليمن نبرتها الهجومية ضد الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي تحوّل إلى خصم لكل الأطراف في البلد، لأنه اقترب من القوى المتحكمة في مقاليد القرار في اليمن منذ سنين طويلة، وأراد تفكيك هذه القوى لصالح مؤسسات وطنية غير محسوبة على جهات قبلية أو جهوية أو عسكرية. ووجد الرئيس هادي نفسه بعد 11 شهراً من انتخابه رئيساً توافقياً لليمن بموجب المبادرة الخليجية، خصماً لخصوم الأمس «صالح ورفاقه وحزبه واللواء علي محسن وآل الأحمر وحركة الإخوان المسلمين»، فقط لأن هادي أراد أن ينتصر للشعب ويعمل على إرساء قواعد متينة لبناء «اليمن الجديد» الذي لا تحكمه القوى القبلية المتخلفة وقيادات الجيش التي نهبت خيرات الشعب وصادرت قراراته وطموحه خلال نصف قرن منذ انتهاء حكم الأئمة عام 1962م. اللواء علي محسن الأحمر وأثناء تمرد أقارب الرئيس صالح، وقف إلى جانب الرئيس هادي وكان أول من يرحب بقرارات الرئيس، بل كانت برقية الترحيب بالقرارات تُتلى من الفضائية اليمنية الرسمية بعد قرارات الرئيس مباشرة، لكنه اليوم وبعد أن انتهى وجود أقارب صالح في الجيش ومؤسسات الأمن، تحوّل هو إلى قائد جديد للقوى المتمردة ضد الرئيس وقراراته الساعية إلى إعادة هيكلة الجيش وإعادة بناء المؤسسات الأمنية على أسس مهنية ووطنية. وصالح الذي كثيراً ما تغنى بحرصه على تسليم السلطة إلى يد أمينة، وجد نفسه عندما تسلمت هذه اليد السلطة أول من يعضّها ويحاول إرباك مهمة الرئيس التوافقي الذي عمل نائباً له لمدة 16 عاماً، وكان وفياً إلى درجة جعلته متهماً بأنه لا يملك إرادة سياسية. وخلف صالح واللواء الأحمر تصطف قوى ومراكز نفوذ متشعبة اتّحدت جميعها خلال الأيام القليلة الماضية لتكون في خندق واحد ضد الرئيس الجديد ومحاولاته الحثيثة لبناء دولة مؤسسات خارج منظومة القوى المتسلطة في الشمال بتركيبته القبلية المتسلطة. «الشرق» تفتح ملف رئيس اليمن التوافقي ومستقبل التسوية السياسية في ظل تمترس القوى المُعيقة للتغيير بعد مضيّ عام على التسوية السياسية وبقاء عام آخر على انتهاء الفترة الانتقالية. وفي الحلقة الثالثة من الملف تتطرق «الشرق» الى الجانب السياسي من الحملة ضد الرئيس ومحاولات القوى السياسية لعب دور مماثل للقوى العسكرية بوقوفها ضد الرئيس هادي والمهام الموكلة إليه بموجب مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وقرارات مجلس الأمن وشرعية الانتخابات التي حصل فيها على إجماع شعبي للقيام بدور المنقذ للبلاد من شرفة الهاوية التي كانت وصلت إليها. تكفير لجنة الحوار الشق السياسي في التسوية التي أنتجتها المبادرة الخليجية يقوم على عدة محاور أهمها الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني وقانون المصالحة الوطنية «العدالة الانتقالية»، وصولاً إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2014 وإعداد دستور جديد للبلاد وتغيير شكل النظام السياسي ومفهوم الدولة المركزية بحسب نتائج مؤتمر الحوار الوطني. ومنذ بدأ الرئيس خطوات المسار السياسي واجه كثيراً من المعوقات التي وضعتها القوى السياسية والقبلية وعلماء الدين في طريقه وصلت حد إصدار أحد أعضاء البرلمان وينتمي لحركة الإخوان المسلمين، كتاباً كفّر فيه لجنة الحوار مجتمعة والرئيس أيضاً، الأمر الذي دفع حزب الإصلاح «الذراع السياسية للحركة» إلى التبرؤ من الكتاب وتحميل مؤلفه «الشيخ عارف الصبري» مسؤولية أفكاره وليس الحزب، ومعلوم أن مؤلف الكتاب أحد المقربين من الشيخ عبدالمجيد الزنداني الذي طالما هاجم لجنة الحوار وآليات الحوار المتبعة. وكان الزنداني أعلن رفضه إقرار لجنة الحوار تمثيل الجنوبيين مناصفة كالشمالن ورأى أن ذلك يعدّ أساساً غير سليم ويمثل «نواة للانفصال»، وقال إن هناك «من يصرح بتقسيم اليمن إلى نصفين متساويين في التمثيل بالمؤتمر، بأن يكون للجنوب نفس نسبة الشمال دون مراعاة لحقيقة النسب السكانية، وهذا يمثل من البداية نواة للانفصال». ورأى الزنداني الحوار فاشلاً حسب قوله، لأنه واقع تحت الهيمنة الأجنبية، ففرنسا هي التي تشرف على الدستور، وألمانيا تشرف على الحوار، وبريطانيا وأمريكا تشرفان على الهيكلة، وهذا يعني فقدان قرارنا ورأينا ولا يتم لنا أمر إلا تحت الوصاية. وكان الزنداني طلب من رئيس الجمهورية تشكيل لجنة من العلماء ورجال الدين تكون مرجعية شرعية لمؤتمر الحوار، الأمر الذي عدّته النخب اليمنية وصاية جديدة تفرضها القوى الدينية على العمل السياسي ومراكز القرار، مما دفع هادي إلى رفض الفكرة وتعيين أحد رجال الدين ممثلاً للتيار السلفي في لجنة الحوار. هادي يواجه الأزمات سلسلة المعوقات لم تتوقف عند رجال الدين الذين يعملون لصالح مراكز قوى كانت مشاركة في إدارة البلاد خلال نظام صالح، بل تعدى ذلك ليصل إلى الأحزاب والتنظيمات السياسية المشاركة في التسوية، التي عملت على إعاقة خطوات الرئيس مراراً، ومن هذه الأحزاب حزب الرئيس هادي المؤتمر الشعبي العام الذي يتنازع قيادته مع الرئيس السابق علي صالح. ومثلت نسب القوى المشاركة في الحوار معضلة كبيرة واجهها الرئيس هادي، ومازال إلى اليوم يصارع من يشعلون مواقد الأزمات في طريقه للوصول إلى نهاية الفترة الانتقالية وإخراج البلد من هيمنة القوى التقليدية ومراكز النفوذ المتسلطة على مفاصل الحكم طيلة نصف قرن. وبعد أن رفض صالح وحزبه نسب التمثيل المقرة لهم رفضت أيضاً أطراف في أحزاب المشترك تلك النسب كحزب البعث والقوى الشعبية وحزب الحق، واعترض أيضاً الحوثيون وانضم إليهم اللواء علي محسن الأحمر الذي خرج بمبادرة فصّل فيها نسب التمثيل وفق رغبته هو وأعطى للقوى التابعة له ما نسبته 60% من المقاعد في المؤتمر. وتدخّل مبعوث الأممالمتحدة ليرفع نصيب حزب صالح ويقنعه بالموافقة، غير أن صالح اختلق أزمة جديدة بطرحه شرط أن يمثل حزبه في مؤتمر الحوار داعياً علي محسن الأحمر إلى أن يكون ممثلاً لحزب الإصلاح من أجل أن يضمن المؤتمر تنفيذ نتائجه، غير أن ذلك الشرط عدّه قيادي في المؤتمر تحدث في تصريح سابق ل»الشرق» عقبة جديدة يضعها صالح أمام هادي من أجل الحصول على نسب من حصة الشباب والمرأة والمنظمات المدنية. الجنوب هو المعضلة وكشف عضو في لجنة الحوار عن تأجيل مؤتمر الحوار مجدداً إلى أجل غير مسمى لإتمام التحضيرات وتجاوز المعوقات التي تضعها القوى السياسية أمام الرئيس هادي. وقال ل«الشرق» إن المعضلة الأساسية التي تواجه هادي هي مشاركة الحراك الجنوبي في الحوار، وهو أفسح مجالاً للجهود الخليجية التي تبذل لإقناع قوى فاعلة في الحراك للمشاركة في الحوار، وأن اعتراضات القوى المشاركة في السلطة بموجب المبادرة الخليجية لن تستطيع إثناء الرئيس عن مهامه كونه صاحب القرار الفصل في كل ما اختلف حوله شركاء الحكم بموجب أحد بنود المبادرة الخليجية. ويعترض الحوثيون أيضاً على عدد من الأمور المتعلقة بالحوار، منها حضور السفير الأمريكي جلسات اللجنة الفنية للحوار، وأيضاً اشتراطهم مشاركة مؤتمر التلاحم الوطني الذي جمع قيادات الحركة الحوثية في كل مناطق اليمن في مؤتمر الحوار كممثل خارج حصة الحوثيين. وقال عضو لجنة الحوار في سياق تصريحه ل»الشرق»، إن الرئيس هادي أوضح أن حصة الحوثيين تم تحديدها مسبقاً، وإذا أرادوا إعطاء مجلس التلاحم نسبه ستكون من حصتهم ولن يحصلوا على مقعد واحد باسم مؤتمر التلاحم. أزمة جديدة وخلال اليومين الماضيين أشعلت أحزاب المشترك الشريكة مع حزب صالح في الحكومة، التي تعمل قيادات أحزابها الثلاثة الكبار مستشارين للرئيس هادي، أزمة جديدة برفضهم قانون العدالة الانتقالية، وانسحاب أعضائهم من البرلمان أثناء قراءة نص القانون الذي يتهم وزير الشؤون القانونية المنتمي إلى الحزب الاشتراكي اليمني الرئيس هادي بتعديله. ويعترض المشترك على المدة التي يشملها القانون، حيث وضعها الوزير الاشتراكي منذ عام 1990 ليشمل حرب صيف 1994 التي يعد حزبه ضحية فيها بينما جعلها الرئيس هادي مقتصرة على فترة الأزمة الأخيرة منذ عام 2011 فقط، لأن فتح ملفات قديمة يعدّ نبشاً في قضايا ستمتد إلى أطراف كثيرة. ويطالب الناصريون أن يشمل القانون ما جرى لقادتهم على يد النظام السابق بزعامة صالح واللواء الأحمر حين تم إعدام كوكبة من قياداتهم بعد محاولة انقلابية فاشلة في نهاية السبعينيات نفذتها نخبة من قادة التيار الناصري في اليمن حينها ضد الرئيس صالح الذي كان لتوّه وصل للسلطة. محطة فارقة عبدالكريم الإرياني هذه المعوقات التي تعترض الرئيس هادي وتصرّ القوى السياسية على تحريكها بين فترة وأخرىن كانت محل قراءة دقيقة قدمها السياسي اليمني المخضرم الدكتور عبدالكريم الإرياني، الذي يرأس لجنة الحوار، وفريق مستشاري الرئيس هادي الذي رأى أن الفترة المتبقية من عمر المرحلة الانتقالية الفرصة الأخيرة لليمنيين للخلاص من التشرذم وانهيار الدولة. وقال الإرياني في افتتاح برنامج دعم الحوار الوطني بالتعاون مع مؤسسة بيرجهوف الألمانية، إن اليمنيين أمام محطة فارقة وفرصة أخيرة لبناء الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة، والاستفادة من الثقافة والمرجعيات والإرث التاريخي الحضاري لليمن. وأكد الإرياني في محاضرته التي ألقاها قبل يومين أن القوى التي كانت تتصارع على الساحة في السابق اختفت وأصبحت الظروف والأجواء مناسبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن الأزمة الناشبة أتت بعد الحركة الشبابية وصراعات أسفرت عن تغيير يجب أن يستغل جيداً ويؤدي إلى الأهداف المرجوّة والنظام الديمقراطي العادل المنشود. وقال إن الحوار اليوم سيكون للتصالح والتسامح وبناء الدولة المدنية التي ينشدها الجميع، كما أن صفة الحوار القادم تختلف عن كل الحوارات اللامحدودة التي خاضها اليمنيون منذ مئات السنين، وإذا لم يفض إلى دولة بمعناها الحديث فلا معنى له. وقال الإرياني إن التفكير الجمعي والوعي المجتمعي عبر آلاف السنين للتاريخ اليمني ارتكز على مكونين رئيسين هما الدولة التي تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، وإرث الحوار الذي يلجأ إليه الناس لحل مشكلاتهم ومعالجة صراعاتهم ونزاعاتهم القبلية والاجتماعية والسياسية وغيرها. بناء الدولة المدنية ياسين نعمان بدوره، قال الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان المستشار الثاني للرئيس هادي، في لقاء تنظيمي لقيادات حزبه أمس الأول، إن انتصار الثورة لا يعني إسقاط الأنظمة فقط، بل أن تكون هذه الثورة قادرة على حمل أهدافها التي قامت من أجلها. وأضاف أن اليمنيين في بداية مرحلة جديدة، مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة، وهي موضوع الصراع الحقيقي اليوم مع مختلف القوى التي تخرج من كهوفها كل ما شعرت بمشروع بناء الدولة لتواصل عرقلة المشروع. وقال نعمان إن هذه القوى المعارضة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية زادت اليوم توحشاً، فتلتقي بمختلف المشارب لتقف من جديد عائقاً أمام مشروع بناء الدولة الحديثة، اليوم ندخل مرحلة الصراع الجديد.. الصراع الحقيقي الذي يعني ما يعنيه انتصار أو انتكاسة الهدف الرئيس الذي قامت من أجله الثورة. الحملة التي تعترض الرئيس هادي في مسيرة إعادة بناء الدولة اليمنية وفق أسس جديدة وخارجة عن سيطرة مراكز القوى لم تنَل من عزيمة الرئيس وفريقه الذي يعمل إلى جانبه من عسكريين وسياسيين مشهود لهم بالنزاهة والوطنية، ورغم كل المعوقات التي هي كفيلة بإرباك وإفشال أي مسؤول، وقف الرئيس هادي صلباً في مواجهة عواصف القبيلة ورموزها المنخرطين في مؤسسات الجيش والدولة، والذين حاولوا مراراً إفشاله كما فعلوا قديماً مع كثير من قادة اليمن والمسؤولين الذي أرادوا إحدث تغيير حقيقي في بنية الدولة ومهامها. دعم الرئيس مؤتمر الحوار كما يؤكد الرئيس هادي سيمضي وسيخرج بنتائج تضمن لكل اليمنيين نتائج لا تنتقص من جماعة أو طائفة أو قوة سياسية. وإلى جانب تحركات الرئيس هادي بعث المجتمع الدولي برسائل مساندة قوية من دول مجلس التعاون والولايات المتحدةالأمريكية، وآخرها الاتحاد الأوروبي، حيث أشادت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي التي زارت هادي قبل يومين بالخطوات والقرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي في سبيل تلك الغايات الوطنية والمهمة. وأشارت إلى أن قرار إعادة هيكلة الجيش كان مطلباً وطنياً وإقليمياً ودولياً باعتباره خطوة ضرورية في طريق تهيئة الظروف والمناخات المناسبة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. منوهة بأهمية إعادة الهيكلة في وزارة الداخلية من أجل إحداث نظام أمني قادر على الحفاظ على استتباب الأمن والتخطيط والتنظيم بصورة حديثة على أساس أن العالم اليوم يعيش عصر المعلومات والإنترنت ومواجهة تطور الجريمة بتطوير المعلومات الأمنية. وقالت إن الاتحاد الأوروبي يقف بكل قوة مع كل الخطوات والإجراءات التي يتخذها الرئيس عبدربه منصور هادي في طريق المرحلة الانتقالية والوصول إلى الحادي والعشرين من فبراير 2014 موعد الاستحقاقات الانتخابية. أنهى الرئيس الشق المتعلق بالجانب العسكري من مهمته باستثناء قرارات مكملة ستصدر لاحقاً، وبدأ الشق السياسي من المهمة بذات الإصرار والعزيمة على النجاح ومغادرة القصر الجمهوري بعد انتهاء الفترة الانتقالية. قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية تدشن عاماً تدريبياً (الشرق)