لم يكن مفاجئاً قرار خادم الحرمين الشريفين الصادر أمس بتعيين 30 امرأة عضواتٍ في مجلس الشورى السعودي، فقد تمت المطالبة بذلك، وتم النقاش إعلامياً ورسمياً حول القرار، وأتى الأمر الملكي ترجمةً لحراك اجتماعي وتطوير مفترض. جزئية مشاركة المرأة في المجلس، وإن كانت مهمَّة، لكنها ليست الأهم على الإطلاق، فهي تأتي ضمن المفترضات التي بدأت بالمطالبة بعلنية الجلسات، ونقلها عبر وسائل الإعلام، ثم المطالبات بأن يتفرغ المجلس لمناقشة الأمور ذات الصلة الفاعلة بمعايش الناس، بدلاً من مد جلسات نقاشات أمور بروتوكولية لا تمس صميم حياة المواطنين، وتفعيل حضور ودور المرأة في المجلس، واختصار فترة المناقشات وآلياتها، وغيرها من المطالبات والآليات والوسائل التي يفترض أن يبادر المجلس إلى تفعيلها. لكن الشأن الشوري المسند إلى نظام الحكم الأساسي المعتمد اعتماداً منطلقيًّا على الكتاب والسنة يفرض وضع آلية انتخاب لا اختيار للأعضاء، فالشورى كمبدأ إسلامي أصيل، وكفكرة برلمانيّة، لا تكتمل فاعليتها دون انتخاب كلّي للأعضاء، إحقاقاً لجدارة التجربة والثقة الملقاة على عاتق الأعضاء، وتمكيناً للناس بفئاتهم وتبايناتهم الفكرية والمذهبية والمناطقية من المشاركة الفاعلة، وأداء دور المواطنة والتزاماتها واستحقاقاتها وتبعاتها. يشكل مبدأ الشورى في مفهومه الإعلان عن فكرة نابعة من المواطنة، ومناقشتها بشكل علني مع مواطنين لا مسؤولين، وما يتفق عليه المواطنون يخاطبون فيه السلطة التشريعية لإقراره تنفيذياً، وفي حال تعيين عدد من الأعضاء تميل كفة التعامل مع المجلس إلى أنه مجلس مسؤولين وليس مجلس شوريين، وهذا يتعارض مع الهدف الذي ينبغي تحقيقه. الخطوة الأهم التي على المجلس ووسائل الإعلام والمفكرين وأصحاب الرأي والحل والعقد مناقشتها بشكل ظاهر ومنهجي هي السعي الحثيث لتشكيل مجلس شورى منتخب الأعضاء بالكامل، ليأخذ على عاتقة مسؤولية التمثيل الحقيقي لجميع فئات الشعب، ولتساهم هذه التجربة في اطلاع المسؤولين على أمور قد يتحرَّج المعيَّنون في المجلس من مناقشتها، أو يقفون في سبيل طرحها والاستفاضة في الحديث عنها؛ لأنها حسب اعتقادهم تؤثر على صورة الدولة أو سمعة المملكة خارجيًّا.