قال الناقد الدكتور سعد البازعي إن الحرية المثالية فكرة غير واقعية، مبيناً أن هناك حدوداً وعوازل لابد للمثقف من مراعاتها. ورأى البازعي، الذي كان يحاضر عن «السلطة والثقافة.. مواجهة النص» في نادي جدة الأدبي مساء أمس الأول، أن الحرية ليست مطلقة، وأن الثقافة أيضاً تمارس سلطتها وتقول كلاماً يزعج السلطات السياسية والدينية والاجتماعية. وكانت المحاضرة بدأت بمقدمة طويلة قرأها مقدمها الدكتور يوسف العارف، تناول فيها سيرة البازعي ومؤلفاته، وتضمنت عدة أسئلة وجهت للبازعي، قال فيها بأنه دخل في مواجهة مباشرة مع «الرقابة» حين كان يترأس صحيفة «الرياض ديلي»، وكذلك أيام ترؤسه مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي. وفي إجابة أخرى، رأى البازعي أن كتابيه «ثقافة الصحراء» و»لغات الشعر» هما أهم الكتب لديه وأنه يفضلهما على البقية. وفي المحاضرة قال البازعي إنه يشتغل على موضوع «السلطة والثقافة» منذ عامين، وأنه مشروع كبير وفي طور التشكل، مضيفاً أنه يريد من طرح هذا الموضوع أمام الجمهور أن يستفيد من ردود الفعل والمناقشات التي يثيرها الموضوع. وتساءل عن وضع الكتابة في العالم وكيف أدى خوف الكاتب من السلطة إلى تأثر كتاباته بهذا الخوف، ما أدى إلى تأثر الاتجاه العام للنص بهذا الخوف. ووصف موضوع السلطة والثقافة بالمهم، مشيراً إلى أنه ليس حكراً على الثقافة العربية، ليتذكر بعد ذلك بعضاً من تاريخنا الأدبي في الثمانينيات الميلادية عندما كان يشتغل على النصوص الأدبية، وكان يطلب منه حينها أن يقوم بشرح وتفسير ما تقوله النصوص التي ينقدها. وأشار البازعي إلى أننا حين نتحدث عن مواجهة السلطة، فإننا نتحدث عن مواجهات متنوعة، فالكاتب يعيش تحت القيود، والسلطة ليست سياسية فقط بل اجتماعية ودينية، ورأى أن السلطة السياسية تكون أحياناً أكثر دعماً للكاتب من السلطة الاجتماعية، بل وربما يشترك الكاتب والسلطة السياسية في مواجهة السلطة الاجتماعية، حسب البازعي. وفي الطرح النظري للموضوع، افتتح البازعي باقتباس من إحدى روايات عبدالرحمن منيف، وقال إن منيف يعدّ أكثر واقعية في المواجهة مع السلطة، وأنه واجهها بطريقته الخاصة، ليبين بعد ذلك أن منيف كان يقف في منتصف الطريق، مثل «رجب» بطل روايته «شرق المتوسط»، فكلاهما لم يقل كل ما لديه. وبعد الحديث عن الروائي العراقي سنان أنطون، الذي كتب رواية «متطرفة» في مواجهة السلطة، أشار البازعي إلى نماذج من الرواية العالمية، انتقل بعدها إلى النماذج الشعرية، التي تضمنت نصوصاً لفوزية أبوخالد، خديجة العمري، سعدي يوسف، ومحمد الدميني، ورأى أن جملة المفارقات هنا تقول عن مواجهات السلطة والنص. واختتم البازعي محاضرته بأن الثقافة الشعبية زاخرة بالمواجهات مع السلطة بأنواعها كافة. في ردوده على بعض المداخلات، قال البازعي إن النص يمارس سلطته على الكاتب، ويحمل حمولة ثقافية وفكرية والكاتب يحملها قسراً. ورأى أن الرقيب يعدّ متلقياً ضمنياً في النص، وأن الكاتب حين يكتب فإنه يعيش تحت سلطة القارئ، لكنه أضاف أن السلطات تتصارع، وليست هناك سلطة مطلقة، حيث لا أحد يستطيع مواجهة السلطة، بأنواعها المتعددة، وفي النهاية نقول كثيراً من الأشياء ونصل إلى نوع من التوافق.