دائماً تبدأ القصة بمسؤول فاسد -حرامي يعني- يأمن العقوبة فيسيء الأدب ويرتع في المال العام دون تحفظ، ثم يأتي من هو أفسد منه ليبرر له واعداً بإجراء تحقيق نزيه كي تأخذ العدالة مجراها. يتشابه المفسدون في كل دولة عربية إلى درجة الملل والكآبة، تماماً مثلما تتشابه الحلول البائسة التي هي الأخرى نوع من التكريس العميق للفساد. لإقالة مسؤول عربي فاسد يجب أن تنتظر حتى يتكرم فاسد أكبر بإصدار فرمان يحتفي به الغلابة، ويشيدون بما تم فيه من عدالة حتى لاتدري -من حيادية لغة الفرمان- هل هو خطاب شكر أم خطاب إقالة؟ أما الستر على اللصوص فهي قصة مبكية وأقرب إلى التستر الفاحش منها إلى الستر الذي أمر به الله. نراعي فيه -أي الستر- أشياء لم يأمر بها الدين ولا العرف المعاصر ولا القانون إن كان ثمة -أصلاً- قانون في بلاد الفساد. رؤساء دول في الغرب يُشدون من آذانهم ويُوضعون في السجن ويُعلن عن أسمائهم الحقيقية دون أي تحفظ. أما لصوص العرب فيجدون الستر والتبرير، ولذلك يتوالدون دون رادع. في الغرب الذي نلعنه ونكيل له الشتائم يستقيل الفاسد من خطأ واحد، وفي بلاد الفساد لا يُقالون إلا بعد ملف ضخم يحتوي على ألف ورقة، وعشرة آلاف توقيع تؤكد أنه لم يعد بالإمكان فعل شيء للاحتفاظ بهذه الجوهرة الفاسدة النفيسة! في عهود الفساد العربية يأكل الفساد بلدك وأنت تتفرج، وكل ما تملكه أن تتفقد ضغطك وسكرك بانتظام، كي لا «يطق» لك عرق فجأة!