اليوم الجمعة عندنا في السعودية إجازة، إلا لكثير من رجال الأمن بكل فروعه «الأمن»، وكثير من الأطباء والممرضات ومن يتبعهم «الصحة»، والصحفيين والصحفيات «المعلومة والإعلام»، ولهذا لا مانع فيما أظن لديكم أن أحدثكم عن المرأة وأثرها في حياتي – شخصياً- وأستطرد حول عائلتي الصغيرة – أظنكم لا تمانعون- وقد انتهيت بصفتي الديمقراطية، من الاطلاع على نتيجة التصويت الذي لم يحدث على ما طلبت، وأسعدتني موافقتكم، وذلك على طريقة الدستور المصري الذي صوَّت عليه تُسع المصريين، ووافق عليه نصف التُّسع، وسأبدأ الآن. أنا عربي، والعرب عموماً منذ فجر التاريخ لا يحبون إنجاب البنات حتى يومنا هذا – مع أن بعضهم يكذب الآن ويقول: لا فرق، وهو داخل نفسه غير دقيق، أو غير صادق – وكلكم تعرفون أنهم في الجاهلية كانوا يئدونهنَّ – أي يقبرونهنَّ أحياء- وفي القرآن الكريم «وإذَا المَوْءوُدَةُ سُئِلَتْ»، ومما نُقل عن الخليفة العظيم الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: أمران في الجاهلية، أحدهما يُبكيني والآخر يُضحكني، أمَّا الذي يُبكيني، فقد ذهبت بابنة لي لوأدها، فكنت أحفر لها الحفرة وتنفض التراب عن لحيتي!، وهي لا تدري ماذا أريد لها، فإذا تذكرت ذلك بكيت، والأخرى، كنت أصنع إلهاً من التمر أضعه عند رأسي ليلاً يحرسني، فإذا أصبحت معافى أكلتُه!، فإذا تذكرت ذلك ضحكت من نفسي. والآن ننتقل إلى عصرنا الحاضر، وسأحدثكم عن تجربتي الشخصية، عندي خمسة أبناء، وأربع بنات، ثمانية منهم متزوجون – ولله الحمد-، ومنذ أيام قليلة خطبت للابن الأخير، وكلهم -طبعاً- أحبهم، فهم أولادي، لكنني أصارحكم أنني وقد بلغت سناً لا بأس بها من الكِبَر «قريب جداً من الستين»، أحب بناتي أكثر من أبنائي، بل وأشعر أنهنَّ أقرب لي من أبنائي على الرغم من أن اثنتين «نجاة، ووجدان» في بريطانيا، واثنتين «ريم ونسرين» في جدة والباحة، وأنا غالباً في الدمام، لكنهنَّ معي بصورة شبه يوميَّة بالهاتف والرسائل والعاطفة، ومثل هذا يحدث مع أبنائي، وأحدهم يكلّمني يومياً في موعد محدّد -هو حدّده- لكن الأبناء رجال، وعادة الرجل يحضر في المواقف، والأبناء البارّون -وكل أبنائي بارّون- يُضيفون للمواقف التي يجب أن يحضروا فيها، الأوامر التي يجب أن ينفذوها فوراً، وأبنائي وبناتي -ولله الحمد- فوق كونهم جميعاً مثقفين ثقافة عميقة وجادة، وعبدالله – مثلاً – أكبر الأبناء يعرفه أهل الصحافة والقلم، وأظن له قُرَّاء، وهم في موضوع الثقافة هذه مثل عمَّيْهم وهم فوق ذلك، يتميّزون بميزتين، أولهما أن أوامري – شخصياً – وأوامر أمهم تُنفَّذ فوراً دون نقاش ولا تسويف، ومع ذلك فأمهم وأنا.. لسنا دكتاتوريين، فنحن نناقشهم ونشاورهم ونأخذ بآرائهم في بعض الأمور، وثانيهما: أنهم يحترمون بعضهم بعضاً وفق تراتبية السِّن، وللحق؛ فهم يفعلون ذلك ليس بتربيتي ولكن بالقدوة، فعمتي «فاطمة» زوجة أبي بعد أمي «شريفة» – رحمهما الله- ربت ابنيها أخويَّ «حامد، وعبدالرحيم»، وبنتها «منى»، على احترامي وتقديري، بصفتي أخوهم الكبير، وهم حتى الآن يقبِّلون جبيني في كل لقاء، وأولادي «أبنائي وبناتي» تعلَّموا منهم لأننا كنا في بيت واحد، وهكذا ربى أخي «حامد» أولاده، وهكذا فعل «عبدالرحيم»، و«منى» وكلهم، يرونني ويعرفون كيف أعامل شقيقاتي الكبيرات «ثريا، وحياة، وعائشة»، فأنا منذ أن وعيت الدنيا أعاملهنَّ بإكبار وإجلال، ووالدي «عبدالله» – رحمه الله – ربَّاني على ذلك، بل وعلى احترام وتقدير كل من هو أكبر مني، سواءً كان رجلاً أو امرأة، وقبل والدي كانت أمي عائشة – خالة أمي – التي تولت حضانتي منذ وفاة أمي، هي وزوجها «محمد»، وكل عائلتهم الكبيرة -رحم الله من مات منهم، وحفظ الباقين-، وكذلك خالي «غرم الله»، وزوجته خالتي «عيدة»، وكل هؤلاء عرفتهم وتربيت على أيديهم قبل أن أعرف أبي الذي كان دائم السفر طلباً للرزق، المهم أنهم جميعاً كانوا يكرِّسون فينا قيم الاحترام والتقدير للكبير والصغير رجالاً ونساءً. وأخواتي – أيضاً – كنَّ كذلك، وأبناؤهنَّ وبناتهنَّ الآن، ودائماً أردد وأقول لأبنائي بصفة خاصة «عبدالله، وماجد، ورياض، ومحمد، وخضر»، إنَّ الرَّحِم مُعلَّقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله، ومَن قطعني قطعه الله، مثلما ورد في الحديث المرفوع، وأن الأخلاق الحسنة والتعامل الطيب مع الناس هو الأبقى أبدَ الدهر، وكثيراً ما أضرب لهم أمثلة حيَّة بفلان الذي يكرهه الناس وأهلُه، وفلان الذي يحبه الناس وقبلهم أهلُه، وأذكِّرهم دائماً بأحاديث وأخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الميدان. بدأت المقال عن المرأة التي يكره العرب ولادتها منذ البداية، وواصلت أحدثكم عن أبنائي وإخواني، وبناتي وأخواتي، فماذا أريد أن أقول لكم؟ أريد أن أقول لكم: إن هناك امرأة رائعة دائماً تذكرني بصلة الرحم، والتواصل الدائم مع الأقرباء نساءً ورجالاً، وأتذكر أنني عندما قلت اسمها في حوار تليفزيوني منذ سنوات في هذا السياق، قال لي المذيع اللامع الآن علي العلياني: هل «أم عبدالله» مؤثرة في حياتك إلى هذا الحد؟، قلت: نعم، تأكد، وهذا من تجربة أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد أنني أشعر الآن أنه لولا وجود «صالحة» في حياتي، لكنت صفراً على الشمال. والنساء العظيمات في وطني كثيرات، وأثرهن في حياة رجالهن أعمق من هذا وأكبر، وفتِّش عن المرأة، ومثلما يقال: وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، أعتقد أن وراء كل فاشل امرأة تافهة. دائماً فتش عن المرأة.