قضايا الانقلاب على السلطة في إفريقيا لها جانب آخر.. فهي قضية بائع اللبن المسكين الذي يتجوّل بين الأزقة الإفريقية وهو يبيع لبن أبقاره للمواطنين في مطلع فجر كل يوم. ولأن الانقلابات عادة تحدث في الفجر فالعسكري الذي يصحو قبل الآخرين وقد باتت دبابته مسخنة وبيانه الأول في جيبه.. هو الذي يقوم بالانقلاب.. إذ سرعان ما يأخذ طريقه للإذاعة وقبل أن يوزّع بائع اللبن ألبانه يكون القائد قد ألقى بيانه الأول ووزّع ما عنده من قوة على الطرقات والكباري ثم أعلن حالة الطوارئ وأعلن أنه سيضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه أن يلعب بمقدرات ذلك البلد وكأنما هو يلعب مباراة في كرة القدم. وبالطبع فإنه سيسقط في يد بائع اللبن فيأخذ لبنه والزبائن المساكين يشربون شاياً بلا حليب.. وسيكون ذلك البائع أول الخاسرين في ذلك الانقلاب العسكري ثم تأتي بعده الرأسمالية الوطنية المتعاونة مع الإمبريالية والحكومة السابقة التي اتسم عهدها بالفساد. ويظل قائد الانقلاب نشطاً ساهراً على مصالحه ومصالح حكومته إلى أن يصاب بالنعاس ذات يوم فيغفو في الفجر ولا يفيق إلا على صوت «مارشات» جديدة تنبعث من الإذاعة معلنة وصول مغامر جديد وبائع اللبن الذي لا يحضر في ذلك اليوم. ولهذا فالقائد الأخير ورحمة ببائعي الألبان وحفاظاً على حقوقهم فقد أمر أن تكون كل الألبان مجففة ولا تباع إلا بالبطاقة وفي وضح النهار.