لست متخصصاً في الشأن الاقتصادي ولا أفهم فيه مثل الخبراء والمتخصصين، لكنني أعرف كما يعرف عامة الناس، أو قل كما يعرف الصحفيون الهواة – مثلي – الذين لدى كلٍّ منهم «من كل بحر قطرة»، مثل برنامج سامي عودة القديم «الشيبان أكيد يتذكرونه، وليت وزارة الإعلام تتذكره وتعيده لنا». المهم أنني أعرف قراءة الأرقام الاقتصادية وأعرف دلالاتها إلى حد – ما -، وحين قرأت الميزانية العامة، فرحت جداً، لضخامتها، حيث إن ميزانية بعض القطاعات أكبر من ميزانية بعض الدول، وازداد فرحي – الذي عبرت عنه أول أمس – بصحة الملك التي بدت جيدة – ولله الحمد – ثم بكلمته التي كانت – كعادة مليكنا – حميمية صادقة لإخوانه وأبنائه وأخواته وبناته المواطنين والمواطنات، وكانت حازمة صارمة للوزراء والمسؤولين. و«عبدالله بن عبدالعزيز» لا يتحدث من فراغ، ولا يرسل كلاماً للاستهلاك الإعلامي، فهو يعرف أن إمكانيات وطنه وتطلعات شعبه لا تحتاج لهذا «الاستهلاك»، ولذلك فعندما يقول «هذا حقكم، وهذا أمانة في عنقي» يجب أن يفهم مدير أصغر إدارة في أي جزء من المملكة أن الملك يقصده، ناهيك عن الأمراء والوزراء ومديري الفروع والأقل منهم مسؤولية. الملك عبدالله، حدث المواطنين حديث الأب والأخ والصديق و«الخادم» لهم، والحريص على حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم. والملك عبدالله، حدث المسؤولين حديث القائد والمسؤول والإداري الذي سيحاسبهم على أي تقصير أو إهمال أو فساد، وقال لهم صراحة «المواطن والوطن أولاً» ولا عذر لكم. الآن المواطن- فيما أعتقد وأعرف- فهم الرسالة تماماً؛ ولهذا يحب الملك حباً جارفاً وحقيقياً. والمأمول أن الوزراء الذين كانوا حاضرين في نفس الجلسة وجميع المسؤولين أيًّا كانت مواقعهم استوعبوا وفهموا توجيهات المليك، ونيته وصدقه، وأهدافه، وسيوجدون الآليات – وهي موجودة ومتاحة ولا تحتاج لاختراع، ولا جهد، ولا تفكير- التي تجعل أعمال الجميع ناجحة ونظيفة. وإننا في هذا العام والمستقبل كله سنشهد وزارات «التربية والتعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والشؤون البلدية والقروية»، و«قليلاً من الوزارات والوزراء الآخرين» على غير ما عهدناه منها من «التطنيش»، والإيحاء بعدم فهم الدور المناط بها، أو ترجمته، أو إدخاله في دوامة الدراسات واللجان. والآن سأعود إلى الميزانية وأقول إنه بقدر فرحي بها، حزنت من «جهلي»؛ إذ إنني وجدتها غير واضحة لمثلي، فهي مدمجة مجملة عامة لا تفاصيل فيها، وقررت أن أسأل متخصصاً يشرح لي، لكنني فوجئت بالدكتور عبدالعزيز داغستاني وهو اقتصادي متخصص عريق يقول ما قاله عن غموض الميزانية مثلما نشرته- الشرق أمس -، ثم انطلق الزملاء والزميلات في الميدان يتصلون بالوزراء ومديري العموم يسألونهم عن مخصصاتهم ومشاريعهم في الميزانية فكانت الإجابة المتطابقة تقريباً «لا نعلم.. لم يصلنا شيء» هذا من الذين تواضعوا وردوا على الصحفيين والصحفيات، «أمَّا المطنشون» فهم الغالبية. في البداية قلت في نفسي: هل من المعقول ألَّا يستجيب هؤلاء لتوجيه الملك – حفظه الله – بأن يتحدثوا للإعلام، ويشرحوا الميزانية بالتفصيل؟، لكنني تذكرت أن هذا «التطنيش» له سبب مهم ورئيس ولعله «معيب». أنا كما قلت في البداية لا أفهم كثيراً في هذا الشأن، ولهذا لا أعرف بدقة آلية بناء الميزانية، لكن الأمر المدهش الذي علمته أن جميع الوزراء والمسؤولين في الدولة كلها – باستثناء وزير المالية ووزارته – لا يعلمون شيئاً عن الميزانية حتى لحظة كتابة هذا المقال، وأنهم قرأوها أو سمعوها مثلنا، بعد أن اطلع عليها الملك – حفظه الله – وصادق عليها واعتمدها. نحن هنا في «الشرق» وعلى مستوى مؤسستنا الصغيرة، يقوم كل قطاع في المؤسسة بإعداد ميزانيته ويحدد حاجاته وطلباته، ثم يذهب لمناقشتها مع الإدارة المالية التي تقول له هذا ممكن وهذا غير ممكن، إلى أن يتم الاتفاق بينهما، وهكذا تتجمع الحصيلة عند المدير العام، الذي يعتمدها ثم يعرضها على مجلس الإدارة فيعتمدها، لكن كل قطاع يعرف ميزانيته قبل أن تعلن وقبل أن تعتمد، ويستطيع مدير أو رئيس هذا القطاع أن يتحدث عن التفاصيل وتفاصيل التفاصيل عن معرفة وثقة. هذا يحدث عندنا وفيما أظن في كل الشركات والمؤسسات، فهل نفس هذه الآلية موجودة لميزانية الدولة؟. إنني أعرف معالي وزير المالية شخصياً، وأعرف أن الدكتور إبراهيم العساف من أكفأ الوزراء المتخصصين في العالم، وأعرف أن في وزارة المالية خبراء وخبرات، فهل من المعقول عدم وجود آلية دقيقة وشفافة بحيث تعرف كل وزارة، بل كل إدارة في المملكة مخصصاتها من الميزانية قبل إعلانها للناس؟!، هذا أمر لا يصدق، فالميزانية ليست سرّاً خطيراً، وأظن أنه من حق كل إدارة – ناهيك عن الوزارة- مهما صغرت أن تعرف ميزانيتها قبل أن تعلن الميزانية العامة للدولة أمام الناس. في موضوع إيضاح الميزانية وتفاصيلها يجب ألا نلوم الوزراء والمسؤولين حين لا يردون على الإعلام، ولا يتحدثون، كيف يُطلب منهم الحديث فيما لا يعلمون، هذه الميزانية حتى الآن هي «ميزانية وزارة المالية» حيث لا يعلم عن تفاصيلها أحد غيرها، والمستغرب هو صمت أعضاء مجلس الوزراء الباقين، لماذا لا يطلبون من وزير المالية هذه الآلية؟، لماذا لا يبلغون الملك وولي العهد – حفظهما الله – أنهم لا يعلمون شيئاً عن الميزانية قبل إعلانها؟، لماذا كل هذه «السرية» في أمر طبيعي، هو للوطن كله، أليس هذا محيراً؟، أقصد «سرية الميزانية حين إعدادها عن المعنيين بتنفيذها في الميدان وفق الحاجة والواقع، وصمت الوزراء المعنيين عن هذه الآلية المصمتة، بحيث لا يدرون ماذا اعتمدت لهم المالية وماذا رفضت»، هذا أمر محير فعلاً وغريب، هذا إذا لم يكن «جهلي» الاقتصادي هو الغريب. فنوِّرونا .