أحد الأصدقاء قال لي: (الآن وقد ارتفع سقف الحرية الصحفية في هذا العهد الميمون، وسُمح لكم أن تنتقدوا، إلا أن (التطنيش) من قبل بعض الوزراء والمسؤولين أصبح هو الحل؛ فالمطنش لن يُسألَ عن تطنيشه).. وهذا صحيح؛ حتى أن أحد الأصدقاء اقترح إنشاء موقع على الإنترنت اسمه (موقع المطنشين)، بحيث يتم، وبالأرقام، تحديد من هو أكثر المسؤولين تطنيشاً، ليمنح جائزة (المطنش الأكبر). وفي المقابل يُحدد، وبالأرقام، من هو أكثرهم تجاوباً مع ما ينشر، ويمنح جائزة (المتجاوب الأول). لا جدال أن أكبر المطنشين، والمتعالين على الإعلام هو وزير المالية؛ لأنه ربما يرى أنه أكبر من أن يَرُد على ما ينشر في وسائل الإعلام، ناهيك عن أن ينتقد، لذلك فإنني أعتقد ألا أحد من مسؤولي الدولة سينافسه على جائزة (المطنش الأكبر).. فما جرى في جدة إثر مداهمة السيول لها كانت وزارة المالية طرفاً رئيساً فيه، وكان صوت وزيرها غائباً؛ وما جرى في الرياض قبل عام جراء السيول وسوء تصريفها كان لوزارة المالية نصيب الأسد من الأسباب، كما أشار إلى ذلك -آنذاك- أمين مدينة الرياض. دون أن يتفوه الوزير بكلمة واحدة.. وكذلك (الإتاوات الفضيحة) التي تفرضها هيئة الطيران المدني على المارين بمطار الملك عبدالعزيز بجدة دون وجه حق (سمحت) بها وزارة المالية، تحت شعار: (فكونا وخذوا من الناس اللي تبون)!.. كما أن خلو المدن الرئيسية في البلاد من حافلات النقل العام (الجماعي) كان بسبب وزارة المالية، لأنها ترفض إعانة مثل هذه الخدمة، على الرغم من أنها من الخدمات المعانة حكومياً في كل دول العالم، كما أشار إلى ذلك مدير عام شركة النقل الجماعي. ولو سألت أي وزير عن قصور خدمة من الخدمات التي يضطلع جهازه بتنفيذها فإنه سيُلقي باللائمة على وزارة المالية لعدم تفهمها وتجاوبها مع احتياجات وزارته، وحين تطلب منه التصريح عن ذلك (علناً) في وسائل الإعلام يبادر بالقول: (إنت مجنون، المسؤول اللي يحارش وزارة المالية احكم على كل مشروعاته بالفشل؛ فلن يُعتمد لها المبالغ المطلوبة لتنفيذها).. تسأله: وتاليتها؟.. يبادر بالقول: (اسكت، وحاول تضبط علاقتك بمعاليه، فلعله يعطف ويرق لك قلبه (الكبير)، ويؤمِّن لوزارتك ما تحتاج إليه من اعتمادات مالية)؛ تسأل: طيب وإذا لم يلتفت إليك معاليه؟. يضحك وهو يقول: أطلب الله! مشكلتنا -أيها السادة- أن هناك جهتين مسؤولتين (نظرياً) عن التنمية في البلد، أولهما وزارة المالية؛ وهذه الوزارة مثل القلعة المصمتة، من في خارجها يصعب عليه أن يدري عمّا يدور في داخلها؛ وبينها وبين (الشفافية) والإفصاح عداوة متأصلة؛ ويبدو أن هذه العداوة يتوارثها الجيل الخلف عن الجيل السلف؛ دلوني على تصريح واحد نشر لوزير المالية في وسائل الإعلام، فيما عدا تصريحه السنوي المعتاد والمتكرر بعد صدور ميزانية الدولة كل عام.. أما الجهة الثانية التي كان يجب أن يكون لها الكلمة الفصل ليس فقط في التخطيط الاقتصادي ورسم استراتيجيات التنمية، وإنما في (المتابعة) وتحديد أماكن القصور في الخطط، وكذلك (فضح) الأجهزة الحكومية (المقصرة) في تنفيذ الخطط، فهي: (وزارة الاقتصاد والتخطيط). مشكلة وزارة الاقتصاد والتخطيط أنها وزارة ولدت مهمشة؛ فلم تُمكن من ممارسة وظيفتها (الاقتصادية) كما يفترض أن يكون، وذلك بسبب أن وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط لا يوجد بينهما تعاون وتنسيق، كما لا يوجد أي تناغم بين خطط التنمية المرتبطة بوزارة الاقتصاد والتخطيط وميزانيات الدولة المرتبطة بوزارة المالية، حتى بعد أن نُقل قطاع الاقتصاد من وزارة المالية إلى وزارة التخطيط؛ فقد أصرت وزارة المالية على إبقاء الشأن الاقتصادي من ضمن مهامها، في تداخل واضح بينها وبين وزارة الاقتصاد والتخطيط. ومن أجل أن نعيد الأمور إلى نصابها، ونخفف من استحواذ وزارة المالية على كل شيء في الدولة، يجب أن تكون وزارة الاقتصاد والتخطيط جهة فاعلة في (اعتماد) بنود الميزانيات إلى جانب وزارة المالية، إضافة إلى المتابعة والرقابة على الصرف، بحيث تكون هذه الوزارة (إجرائياً) ذات دور رئيس في نقاش الميزانيات منذ البداية مع الجهة الحكومية المستفيدة إلى جانب وزارة المالية؛ فلا تعتمد الميزانيات إلا بموافقتها. في هذه الحالة لا يمكن أن ينفرد وزير المالية بالقرار المالي؛ وفي المحصلة تفتح القلعة المصمتة أبوابها لتدخلها رياح التغيير والإصلاح. وختاماً أقول: الله يستر لا يزعل علينا (معزّبنا) وزير الثقافة والإعلام، لأننا زعّلنا وزير المالية، وزعل وزير المالية لا يُحتمل عند الوزراء! إلى اللقاء.