للغموض أوجهٌ كثيرة في مجتمعنا، ولعل من أبرز أوجه هذا الغموض هو علاقة الرجل بالمرأة التي لم يوجد لها وصف مُقنع حتى الآن، على الأقل في نظري ونظر ثلَّةٍ من المتأملين. ولم تقبل هذه العلاقة التفكيك أو التحليل أو القسمة على اثنين حتى اللحظة برغم المحاولات المستميتة، ففي الوقت الذي يُبدي المجتمع رفضه للعلاقة بين الرجل والمرأة وعدم تقبّله لأي احتكاك بين الجنسين، نجد بعض الأماكن تحمل اختلاطاً لهذين الجنسين مثل المستشفيات والعمل الصحفي وبعض الشركات والبنوك وبعض أقسام الوزارات الحكومية كأقسام وزارة الإعلام، وفي الوقت الذي تتعالى فيه صيحات الكثيرين رافضةً مجرّد الحديث بين الرجل والمرأة، نجد أنَّ هناك الطبيبة التي تكشف على الرجل المريض وتعالجه، وقد يستدعي ذلك تجريده من ثيابه وقت الكشف أو رفعها على أقل تقدير، وفي المقابل نجد الطبيب الذي يقوم بتوليد المرأة!. وأتساءل في نفسي: هل ما يحدث هو ثقافات مختلفة وتيارات اجتماعية متصادمة؟ أم هو مجتمعٌ واحدٌ متناقضٌ ويُقدِّم تنازلات ويُجَزّئ المبدأ الواحد الذي لا يَتَجَزَّأ ويُحمِّله استثناءاتٍ لا يحتملها؟! فعندما ينشب شجارُ أمام معرض الكتاب بين مجموعة من المُتزمّتين دينياً ورجال الأمن بداعي وجود الاختلاط في المعرض، نجد أن هناك اختلاطاً من نفس النوع في المكتبات التي تُقدِّم نفس الخدمة الذي يقدمها معرض الكتاب وهو بيع الكتب ولا يواجه هذا الأمر ذات الاستهجان وموجات الغضب!.. وفي الوقت الذي نجد فيه مَنْ يُحارب عمل زوجته خشية اختلاطها بالرجال نجد أن لديه في المنزل خادمةً هو وأولاده يختلطون بها، ومَنْ يمنع زوجته وبناته من ركوب سيارات الليموزين لذريعة الاختلاط نجد أن لديه غرفة خاصة في البيت لسائقٍ خاصٍ يقل أسرته من مكانٍ لآخر، وقد يتنقل بهم من مدينة لأخرى إذا لزم الأمر. ضعنا فعلاً بين لافتاتٍ من نوع (للعائلات فقط) و(ممنوع الدخول لأقل من 18 سنة)، وبما أنني تخطيت ال18 عاماً سوف أصف لكم شعوري مع لافتات (للعائلات فقط)، فعندما أذهب لمجمعٍ تجاريٍ لشراء غرضٍ شخصيٍ لي أو هديةٍ لوالدتي أو زوجتي أو ابني ويصعقني رجل الأمن الذي يقف على بوابة المجمّع بعبارة: (يا الطيب.. عوايل بس)، حينها أشعر بالإهانة والله، كيف لا وهو يوجه سهم الطعن في سلوكي بمنعي من الدخول للمكان خشية أن أقوم بمعاكسة أيّ فتاةٍ أو إعطائها رقمي؟.. كيف لا وهو يضعني سلفاً في لائحة المنحرفين والطائشين قبل أن أبدي أي تصرف؟! في مجتمعي، شعرت أنني وحشٌ كاسر ما إن أرى أيَّ فتاةٍ إلا وسأنقضُّ عليها انقضاض الأسد على فريسته، وسوف أسلبها أعزّ وأغلى ما تملك، لكن ما إن أسافر للخارج وأشاهد النساء في الأماكن العامة بمختلف الهيئات والأزياء إلا وأجد أن ما بداخلي ما هو إلا عصفورٌ مسالمٌ، بل هو أعظم من ذلك، ما بداخلي هو إنسان يحمل كل معاني الإنسانية، إنسان يحمل الاحترام والود للبشر رجالاً ونساءً، لكن للأسف لم أكتشف إنسانيتي إلا خارج وطني، لأنني كنت أُعامل في وطني على أنني وحشٌ يُخشى على النساء منه، ويجب حظرهم عنه!