النقطة الأولى : الشريعة تحرم الاختلاط المطلق ، ولا تحرم مطلق الاختلاط والفرق بين العبارتين كما يلي: العبارة الأولى أن الشريعة تحرم الاختلاط المطلق فهي تعني تحريم الاختلاط الذي ليس له ضوابط ولا شروط والذي يحصل به الفتنة والتعري والمجون والفجور ، وتقع فيه المحظورات الشرعية ، مما لا يمكن تجنبه في ذلك الاختلاط غالبا وبحكم العادة فهو تحرمه الشريعة سدا للذريعة وإغلاقا للشر. والعبارة الثانية أن الشريعة لا تحرم مطلق الاختلاط فهي تعني عدم تحريم كل اختلاط فليس كل اختلاط حتى لو كان محتشما محرم في دين الله كما هو حاصل في أسواق المسلمين , وطرقهم ، ومجامعهم العامة التي يحضرها الرجال والنساء ، وكذلك الاختلاط بمعناه اللغوي كدخول الزوج على زوجته يسمى اختلاطا واختلاط المحارم وكذلك الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ، ما دام جانب الفتنة مأموناً ، وكذلك الاختلاط مع وجود محرم لحديث ابن عباس في الصحيح: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: \"لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم\". وهنا نعلم بأن الشريعة لم تحرم مطلق الاختلاط وهذا النوع لابد منه ، ولن تقدر على منعه ، ولن تسلم منه وإن حاربته. النقطة الثانية : هل تنفي أنك تذهب أحيانا إلى السوق .. ألم يسبق لك أن سافرت بسيارة نقل أو قطار أو طائرة .. أليس هذا الاختلاط بعينه ؟ ألم يحدث لك أن سلمت مشافهة على ابنت عمك أو زوجة أخيك ؟ إنّ الاختلاط يحصل حتى في المحاكم كما هو مقرر في كتب الفقه فالمرأة تكون شاهدة ومدعية ومدعى عليها ، ورؤية المخطوبة يحصل به الاختلاط ، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر ، إنّ ركوبك للطائرة يسمى اختلاطا قبلت أم أبيت ، وركوب ابنت عمك معك بمحرمها يسمى اختلاطا قبلت أم أبيت ، وركوب النساء مع السائق يسمى اختلاطا قبلنا أم أبينا .. وهذا من باب المخاطبة بالمسلمات التي لا يختلف عليها عاقلان كما لو قلت لك: النار حارقة قبلت أم أبيت .. و الشمس تطلع في النهار قبلت أم أبيت ، والأسد حيوان قبلت أم أبيت ، فأنا هنا أقول لك : إنّ ذهابك إلى السوق ودخولك للمحل الذي فيه نساء يسمى اختلاطا قبلت أم أبيت ، فإن تحجبت النساء ولم يتطيبن وغُضّ من الأبصار فهذا ما أمرت به الشريعة ، وأي خلل في هذه الضوابط فيعني الوقوع فيما حرم الله. النقطة الثالثة : لماذا حرم الله الخلوة والنظر والتبرج أليس لأن الاختلاط موجود ؟ وهذه ضوابط جوازه وإلا لحرم الله الاختلاط مباشرة وليس هناك داع لتحريم إطلاق النظر والتبرج والخلوة .. إنّ المسألة واضحة كيف يحرم الله إطلاق البصر وليس هناك اختلاط ؟ هل يحرّم الله شيئا لا فائدة من تحريمه أصلا ؟ فلو لم يكن هناك اختلاط فما الفائدة من هذا التحريم ؟ وما الفائدة من الأمر بالحجاب ؟ وما الفائدة من تحريم الخلوة ؟ يعني لو أنّ الله حرّم الاختلاط من البداية للزم منه أنّ كلّ هذه الأشياء لن تحصل أصلا ولكن لأنّ الاختلاط موجود وضع له ضوابط ليكون محتشما وبالمفهوم المخالف أتريد أن يقول العاقل بأنّ الله يقول: ( لا تختلطوا أبدا وغضوا من أبصاركم (فعن أيّ شيء نغض من أبصارنا ؟ النقطة الرابعة : قال تعالى \"وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ \" هل في الآية نهي عن الاختلاط ؟ إنّ من يريد أن يستدل بهذه القصة على جواز الاختلاط يستطيع إذا نظر إليها من جانب آخر حيث حصل اختلاط بين موسى عليه الصلاة والسلام والفتاتين ؟ فذهاب موسى عليه الصلاة والسلام لمخاطبة الفتاتين ومجيء إحداهما تدعوه أن يذهب معها إلى أبيها كما في قوله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا( كل هذا يسمى اختلاط. وقد دلت الآية الكريمة على أنّ الإسلام يحث على الأخلاق الحسنة ويربي عليها أبناءه كالحياء وعدم مزاحمة الرجال ومساعدة الناس كما فعل موسى عليه الصلاة والسلام. فالإسلام لم يحدد طريقا خاصة للنساء ولا مساجد خاصة ولا أسواق خاصة مما يعني أن الاختلاط وارد في الإسلام ، ولكنه ليس اختلاط الدعارة بل اختلاط الحشمة ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بأن يمشين في حافة الطريق دون وسطه وهذا ضابط من ضوابط الاختلاط وهو عدم مزاحمة الرجال. النقطة الخامسة : لا شك أنّ الإسلام صان المرأة وتكفل بحمايتها ورعايتها ولهذا حرّم سفرها بدون محرم وحرّم مصافحتها للأجنبي وكلّ هذا بعيد عن موضوع الاختلاط إذ بإمكان المرأة أن تختلط بالرجال ولا تصافحهم ، وبإمكانها أن تسافر بمحرم مع حصول الاختلاط ؟ فالشرع المطهر حرم هذه المسألتين بغض النظر عن قضية الاختلاط لأنّها لا تقدم ولا تؤخر ولا تغير حكما إذ لا يلزم من الاختلاط حصول المصافحة والسفر بدون محرم. النقطة السادسة : تأمل قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) وقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ( فهذه الآيتان تضمنتا الإشارة إلى الاختلاط ووضعت أحد ضوابطه وهو الغضّ من البصر لأنّ الغضّ إنما يجب حين يحصل الاختلاط وإلا فما فائدة الأمر بغض البصر؟ ولكان النهي عن الاختلاط أولى من الأمر بغض البصر لأن الأول يلزم منه الثاني ولكن الثاني لا يلزم منه الأول بل هو لازم له وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى ، وليست لك الآخرة ). النقطة السابعة : ما حصل من اختلاط في قصة يوسف عليه السلام وسبب المفسدة إنما هو حصول الخلوة المحرمة لا حصول الاختلاط المحتشم المقيد بضوابط وشروط ومن هنا ينبغي أن تكون انطلاقتنا في الحديث عن قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) . النقطة الثامنة : قال تعالى ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ( وقال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ( وجه الدلالة : النهي عن ذلك يدل على حصول الاختلاط ولولا وجوده لما نهى الله عن الضرب بالأرجل والخضوع في القول. النقطة التاسعة : ضوابط جواز الاختلاط: أ الجديّة في التخاطب ب عدم مصافحة الأجنبي ج عدم الخلوة بين الجنسين د عدم خروج المرأة إلا لحاجة ه الغضّ من البصر من كلا الطرفين و الحجاب الشرعي للمرأة واللباس الساتر للرجل ز عدم وضع المرأة للعطور والتزيّن المثير للشهوة ح اصطحاب محرم معها في السفر وعند وجود الأجنبي ط البعد عن أماكن التجمعات التي يكثر فيها الزحام والتدافع ي مشي المرأة بطريقة لائقة وعدم الضرب بالكعب العالي للفت انتباه الرجل النقطة العاشرة : لا نريد الإفراط ولا التفريط فالاختلاط ليس محرما على إطلاقه كما يظن البعض فهناك حالات جاء بها القرآن والسنة ومنها ما جاء عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت \" :غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات ، أخلفهم في رحالهم ، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى \" والروايات في هذا الموضوع كثيرة جدا ، وليس مباحا على إطلاقه كما في المجتمعات الغربية والعياذ بالله لا حشمة ولا كرامة ولا طهر ، بل فساد وتحلل وانحراف ، واختلاط يفضي إلى الفتنة غالبا ، وعاقبته شرور واضحة. وفي الختام اسأل نفسك سؤالا .. لو تم تنفيذ مشروع الاختلاط في الدراسة وفي أماكن العمل .. هل سيراعى في ذلك ضوابط الجواز من عدم الخلوة وعدم وضع المرأة للعطور والتزين وعدم المصافحة وعدم المزاحمة ومن غض البصر وهل ستأتي الموظفة إلى عملها مصطحبة محرمها ؟ إنّ الإجابة على ذلك واضحة حيث لا يمكن توفير ضوابط الاحتراز ، وضرره على المجتمع بالغ السوء بشهادة الواقع المحسوس ، وذلك مثل الاختلاط في الدراسة ، وفي أماكن العمل ، حيث تمكث الفتاة ، أو المرأة فترة طويلة بين الرجال ، في أجواء داعية إلى التعارف وتكوين العلاقات ، بما تقتضيه الجلبة الإنسانية ، من الانجذاب الفطري بين الذكر والأنثى والبعض يريد أن يعامل البشر كتعامله مع الحجر وكأنّ الإنسان خلق بلا غريزة أو شهوة وهذا قمة الجهل. وكتبه/ إبراهيم بن سعد الكلثم معلم تربية إسلامية بمدارس الهيئة الملكية بالجبيل خريج كلية الشريعة فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية