جدة – عامر الجفالي «حرس الحدود»: نضبط نصف مليون متسلل عبر المنافذ الحدودية سنوياً. «العمل» تمتنع عن التعليق.. وتؤكد: السائبة ليست مسؤوليتنا. «الجوازات» تتجاهلالشرق وتتكتم على أعداد المرحّلين من المملكة. السفارة اليمنية: خمسون ألف مجهول يمني يُرحّلون سنوياً من الرياض فقط. امتلأت شوارع المملكة وعلى مدى السنوات الماضية بمخالفي الإقامة (العمَّال الذين لديهم أوراق ثبوتية ويعملون لدى غير مكفوليهم بشكل غير نظامي)، والعمالة السائبة (العمال المجهولون ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية)، مما يشير إلى الزيادة في أعدادهم باطراد، وأصبح حضورهم في المشهد المجتمعي يشكل ظاهرة متنامية المخاطر، فنراهم في كل مكان يبيعون ما خف حمله من البضائع الرديئة والفاسدة لسهولة الحصول عليها بأسعار قليلة، وتزداد الخطورة في دخولهم مجال بيع الأطعمة الفاسدة كعربات المقليات التي تفتقر إلى أبسط اشتراطات الصحة، والفواكه المصهورة بحرارة الشمس. ونرى بين الفينة والأخرى حملات الأمانة لمصادرة البضائع إلا أن البائعين يفرون من أمامها حتى يعودوا من جديد؛ لتبدو جهود الأمانة بلا فائدة، ويزداد السوء حين يصل الأمر إلى ما نشرته إحدى الصحف حول توقيع أحد المعاهد التقنية (جهة رسمية) عقود عمل مع عدد من العمالة غير النظامية للقيام بمهام النظافة، مما يدل على غياب المسؤولية، وعلمت «الشرق» وفق اعتراف أحد مديري المدارس الأجنبية في جدة، المندرجة تحت قطاع التعليم الأهلي (تحتفظ «الشرق» باسمها)، بأن بعض المعلمين لديه ضمن قائمة العمالة غير النظامية ويحملون رخصاً للعمل تختص بالحِرف اليدوية لا علاقة لها بالتعليم ولا يملكون شهادات مؤهلة لوظائفهم التعليمية. وبحسب مصدر رفيع في هيئة جدة، فإن الإناث المخالفات لنظام الإقامة يمارسن أعمالاً خطيرة ابتداءً من الخدمة في المنازل إلى الدعارة المتنقلة في أماكن حضور العزاب من الجنسيات الوافدة. كيفية التسلل واستقصت «الشرق» كيفية تسلل السائبة من الدول المجاورة وتتبعت رحلة تهريب المتسللين أثناء دخولهم المملكة ووصولهم إلى المدن المستهدفة، فأجرت لقاءات مع بعض هؤلاء المخالفين المتسللين عبر الحدود اليمنية إلى المملكة، يروي (أبومليحة) قصة تسلله إلى المملكة قائلاً «أتيت عبر الحدود اليمنية السعودية مشياً على الأقدام وبواسطة (معدي)، وهو رجل يمني يعرف طرقاً آمنة للتسلل، حتى نجتاز رجال حرس الحدود السعوديين، ويتقاضى عن كل شخص يتم تسلله خمسين ريالاً، ثم يسلمنا إلى (الدلال) وهو يمني الجنسية، الذي يأخذنا بدوره من الطوال والمناطق الحدودية إلى صبيا أو ما جاورها بمقابل مائتي ريال لكل شخص، ويأتي دور (السائق المهرب) الذي اتفق معه الدلال وغالباً ما يكون من السعوديين ويوجدون في المزارع والأماكن المختبئة، حيث يتم تسلم مجموعات المتسللين في حدود عشرين متسللاً ومن ثم يتم تهريبنا إلى المدن المستهدفة، أما أنا فقد اخترت جدة لأن لي معارف فيها والعمل فيها كثير، ويتم الاتفاق مع المهرب قائد المركبة التي عادة تكون كبيرة كالجيب أو الجمس وتتسع لعشرين راكباً يجلسون على هيئة القرفصاء بعد طي المقاعد طوال مدة الرحلة المقدرة بست ساعات، ويتقاضى المهرب على كل شخص ألفي ريال يتم تسليمها عند الوصول مخافة التعرض لسلب المهرب، بحيث ترسل الأموال إلى جماعتنا في جدة وهم من يسلم المهرب عند وصولنا سوق الصواريخ في جدة». تستّر تجاري ولاحظت «الشرق» خلال بحثها عن قطاعات العمل المتاحة لمخالفي الإقامة، الذكور ومن جميع الجنسيات قد امتهنوا العمل في كل شيء سباكة كهرباء بيع خضراوات وفواكه أعمال الدهان والبناء، وسيطرت العمالة اليمنية من مخالفي الإقامة على منطقة المزارع المحيطة بمدينة الخرج، حيث يعملون على آليات وشيولات مملوكة لسعوديين بمقابل شهري ثابت لمالك الآلية ، وأفاد أحد المجهولين ويدعى (عبيد) أن يوميته 500 ريال، أي أن دخله الشهري من أعمال الشيول يبلغ 15 ألف ريال، ويصعب وصول الجوازات إلى مثل هذه المناطق من الأودية والشعاب والمزارع، والسؤال كيف نمت وراجت فرص أعمالهم؟ وتأتي الإجابة في كلمة واحدة (التستّر) من السعوديين أنفسهم، كأصحاب المؤسسات استبدلوا عناء استقدام عمالتهم بغيرها من السائبة أو غير النظامية؛ وذلك بسبب هروبها الآمن من لدى الكفلاء، واستمرار قصور بعض الأجهزة الرسمية عن ضبطهم وإعادتهم إلى مكفوليهم، مما أشاع إحساس الأمان لدى هؤلاء المخالفين وجعلهم ينضمون إلى فريق مخالفي الإقامة للبحث عن دخل أكبر من رواتبهم المتفق عليها قبل الاستقدام وشجع قدومهم إلى المملكة، فالعمالة المنزلية مثلاً تدرب على الانضباط من مكاتب الاستقدام لمدة محدودة وهي ثلاثة أشهر وهي الفترة التجريبية التي يحق للكفيل خلالها استبدال العاملة بأخرى، فإذا انتهت الفترة أخلى مكتب الاستقدام مسؤوليته ومن ثم هربت الخادمة عند أول فرصة سانحة، حيث قد تم التنسيق المسبق ومن قبل المجيء إلى المملكة مع شبكات تشغيل وعصابات من نفس جنسياتهم، ففي حي البوادي في جدة تجتمع الأثيوبية ورصدت «الشرق» عاملتين تم الاتفاق معهما للعمل في المنازل بمقابل 1500 ريال وكلتاهما بلا أوراق ثبوتية وينسق تشغيلهما مصدر واحد من نفس الجنسية، ويعلل السعوديون قبول تشغيلهم بالاضطرار بسبب هروب عمالتهم وخسارة مبالغ الاستقدام فيتوجهون للعمالة السائبة وغير النظامية. اشتراطات تعجيزية وشكا أبوراكان وهو صاحب مؤسسة مقاولات في جدة، من معاناته مع مكتب العمل، حيث استغرقت معاملته ستة أشهر ليخرج بتأشيرتين فقط، وأكد حاجته لثلاثة حدادين، وثلاثة مليسين وخمسة بنائين وثلاثة نجارين وثلاثة مبلطين، إضافة إلى عشرة عمال بناء على الأقل؛ وذلك ليستطيع مواصلة العمل؛ فكيف يستطيع تأمين هذا العدد؟ إذاً ليس أمامه إلا العمالة السائبة. وأوضح أبوراكان طريقة تأمين العمالة لأي مشروع، حيث يتم الاتصال بمؤسسة مقاولات متنقلة (وهمية)، وهو ما يعرف بالوسطاء (الوسيط رجل لدية قائمة كبيرة من العمالة السائبة وغير النظامية يعملون في البناء)، فما على صاحب المؤسسة إلا الاتصال على الوسيط والتنسق معه لتأمين العدد المطلوب من العمالة لتنفيذ المشروع بأجر محدد في الساعة للمشغل نسبة منه، وهذا شأن أغلب مؤسسات المقاولات حتى الشركات الكبرى منها المعروفة في المملكة. وظائف وهمية وأوضح أبوراكان عن مطالبة العمل له بتوظيف عامل سعودي في مقابل كل عشرة عمَّال (برنامج نطاقات)، فمن أين له بعامل بناء سعودي واحد يقبل العمل مبلطاً؟ وأكد عجزه عن تأمين ذلك، مما اضطره إلى الاستعانة بموظفين سعوديين بلا وظائف حقيقية. كما أكد أبوراكان أن القرار الجديد الذي يفرض رسوماً تؤخذ على كل عامل بمعدل مائتي ريال شهرياً سوف يؤدي إلى زيادة تكاليف العامل النظامي على كفيله، مما يجعل الكفيل يستغني عن العامل النظامي المكلف واستبداله بآخر غير نظامي، مبيناً أن الكفلاء لا يدفعون تكاليف رسوم العامل النظامي، التي تربو على ستة آلاف ريال سنوياً، ويحمِّلونها للعامل نفسه، وبالتالي فإن العامل يهرب من كفيله ويتحول إلى العمالة السائبة وهذا يزيد من نسبة العمالة السائبة ويقلل من نسبة العمالة النظامية بشكل كبير، وفي حال الرضوخ ودفع الرسوم الجديدة، التي بلغت ثلاثة وعشرين ضعفاً، فإنه ستنتج عن ذلك زيادة أسعار يوميات العمال وزيادة أسعار المنتجات، وفي المحصلة الضحية والمتضرر هو المواطن، ودعا إلى إعادة تقييم برامج العمل ودراسة نتائجها. العمل.. تمتنع وتساءلت «الشرق» عن دور وزارة العمل في متابعة تنفيذ قراراتها والتأكد من صحة تشغيل المؤسسات والشركات، وأن عمالتهم نظامية بالكامل، ودور الوزارة في دراسة وتقييم نتائج برامجها لاستدراك الثغرات، إلا أن المتحدث الرسمي لوزارة العمل حطاب العنزي، امتنع عن إجابة التساؤلات معللاً بأن القرارات منشورة وملزمة وليس لديه ما يضيفه، فيما حمّل مسؤولية السائبة أجهزة أخرى. نصف مليون متسلل وكشف المتحدث الرسمي لحرس الحدود العقيد سالم السلمي، عن أعداد المتسللين الذين يتم ضبطهم سنوياً، حيث بلغ نصف مليون متسلل تقريباً، كما أكد السلمي على أن نسبة المقبوض عليهم خاصة عبر الحدود اليمنية أكبر بكثير من السنوات الماضية، مما يدل على تقدم في أداء حرس الحدود، وأشار إلى المشروعات المزمع تطويرها وتنفيذها من قِبل وزارة الداخلية ذات العلاقة كنشر الكاميرات الحرارية واستخدام الشبوك الشائكة، كما أكد اتخاذ العقوبات الرادعة للمتسللين كل بحسب ظروف تسلله بعد الضبط والتحقيق، وهذه العقوبات تختلف بحسب تكرارها، وشدد على تحذير المتعاونين من المهربين السعوديين، مؤكداً العقوبات المشددة من سجن وغرامة. كما أكد على أهمية العمل اليومي الذي يقوم به رجال حرس الحدود من مراقبة وترصد باستخدام جميع الوسائل المتاحة مثل الكاميرات الحرارية والدوريات الدائمة وعلى كامل حدود المملكة، مشيراً إلى أن ظاهرة التسلل ظاهرة عالمية تعاني منها جميع الدول إلا أن المملكة مستهدفة أكثر من غيرها. السفارة اليمنية - وقال مصدر مسؤول في السفارة اليمنية في الرياض ل»الشرق» (فضل عدم ذكر اسمه)، إن أعداد المرحلين اليمنيين المجهولين من الرياض فقط إلى اليمن يبلغ تقريباً 43200 مجهول سنوياً، حيث لدينا كل أسبوع رحلتين سبت وإثنين، وكل رحلة فيها عشرة باصات، وكل باص يحمل 45 شخصاً، وهذا العدد قد يزيد كثيراً في بعض المواسم بعد الحج مثلاً وبعد رمضان من كل عام، كما لوحظ تنامي الأعداد مقارنة بالسنوات الماضية بسبب الأحداث الراهنة في اليمن، وذلك على حساب الحكومة السعودية، كما كشف عن الاكتفاء بترحيل المخالفين لنظام الإقامة رغم أن بعضهم قد يكون مرحلاً للمرة الرابعة، وبخصوص تعاون السلطات اليمنية مع نظيرتها السعودية في ضبط الحدود، أفاد بأن ضعف دخل العسكري اليمني يقود إلى قبول رشاوى من المتسللين اليمنيين وتسهيل عملية تسللهم. شيوع الظاهرة وعزا الناطق الإعلامي لمديرية الجوازات في منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين، أسباب تنامي السائبة إلى وجود أشخاص يقومون بالإيواء سواء من أبناء جلدتهم أو السعوديين، فيجد العامل المخالف سبل الحياة من مسكن ومعيشة وخدمات صحية متوفرة، أيضاً عدم التضييق على عملية الإيواء سواء نقلاً أو إيواءً وتشغيلاً، أيضاً وجود ظاهرة سنوية وهي الحج والعمرة. وأوضح الحسين جملة إجراءات الجوازات في معالجة القضية، المتمثلة في تطبيق نظام الخصائص الحيوية (البصمة) لمعرفة من دخل إلى المملكة للعمل أو الزيارة أو العمرة أو خلافه، كذلك سعي الجوازات لضبط الناقل والمشغل للسائبة وتغريمهما بعشرة آلاف لكل مخالف تتعدد بتعدد المخالفين. كيفية الترحيل وبيّن الحسين كيفية الترحيل بعد القبض على المخالفين، حيث يتم ضبط نوع المخالفة، ومن ثم الإحالة إلى إدارة الوافدين، حيث يُبدأ بأخذ الخصائص الحيوية ومعرفة الهوية الحقيقية، وبعد معرفة سبب الدخول والمخالفة يتم التحقيق لمعرفة الجوانب كافة، ومن ثم يُحال إلى لجنة الأحكام الإدارية وهي مخصصة لإصدار الأحكام الخاصة بمخالفي أنظمة الجوازات، ثم يُحال إلى قسم التنفيذ وفيها ينفذ حكم اللجنة من سجن وغرامة وترحيل، هذا وتمنى الحسين أن يكون هنالك تنسيق مسبق بين إدارة الجوازات والعمل فيما يتعلق بنتائج برامجها. كما أشار إلى حملات الجوازات لضبط البائعين الجائلين من قِبل فرق مختصة. تحفّظ الجوازات وتحفظت الجوازات عن الإفصاح عن أعداد المرحّلين سنوياً من المملكة، حيث طلبت خطاباً رسمياً من الصحيفة وتقديمه لمدير إدارة الوافدين العميد حسين الحارثي، الذي اعتذر بدوره بعد تسليمه الخطاب، وطلب توجيهاً بالإفصاح من الشؤون الإعلامية التي اعتذرت بدورها لتحيل الإفصاح للمتحدث الرسمي للجوازات المقدم بدر المالك، حيث تم الاتصال به عدة مرات وإرسال رسائل نصية على جواله بطلب الإفصاح عن الإحصائيات والإجابة عن التساؤلات، ولم يتجاوب معنا حتى نشر هذا التحقيق. عامل آسيوي يعرض بضاعته على أحد الزبائن