بادئ ذي بدء يقول الكاتب الكبير يوسف إدريس: إن الحرية الممنوحة لكتاب الوطن العربي لايكفي مقدارها كاتب واحد. قد يقول قائل في هذه المقولة إنها تندرج ضمن شطحات مفكرينا وأدبائنا التي لاتخلو من المبالغة المفرطة في التشاؤم بسبب إرهاصات الأوضاع المزرية التي يعيشها أصحاب الفكر والأدب مما انعكس على إنتاجهم الفكري والأدبي وغلفها بمرارة الإحباط، غير أننا لو تأملنا المقولة ببعد فلسفي لوجدنا بها الشيء الكثير من الصحة، فالكاتب دائما ما يكون تحت رحمة مقص الرقيب وإشاراته الحمراء فما يراه الرقيب -حسب رؤيته- محظورا يحجب وما يراه مباحا ينشر، وهذا لايصح لأن الحجب لايكون إلا على الكتابات المسيئة للقيم والثوابت أو للآخرين لكن وللأسف اعتاد الرقيب العربي منذ أمد بعيد أن يمارس هوايته بالتخمين وذلك باستعمال حدسه الرقابي بإغماضة عين وفتح الأخرى على الطريقة (الشارلك هومزية) ليبرهن لنفسه مدى فراسته باستشفاف المعنى المختبئ بين ثنايا الكلمات وكأنه أمام نص لغوي ذي أبعاد أيديولوجية مليء بالتعقيد! وليس أمام فكرة أو رأي شخصي يعبر عن واقع يعيشه الكاتب في مجتمعه. ما حيلة الكاتب الذي تجرأ وأقدم على قفز حاجز الرقابة الذاتية ليصطدم بحاجز من نوع آخر أصعب منه يسلب من الكلمة حريتها المشروعة؟! ماذا عساه أن يفعل إذا الرقيب لم يحسن فهمه جيدا خاصة حينما يطرح الرأي بشيء من الجرأة المتزنة. هل يتخلى عن آرائه وقناعاته ليرضي السيد الرقيب ومن ثم يتحول إلى نسخة تقليدية مكررة أم يتشبث بها لآخر رمق من حياته الكتابية على أمل أن ترى النور ذات يوم؟ إن المبدع إذا ما حوصر بسياج الرقابة المتوجلة من كل مايخالف السائد المألوف سيلقى حتفه الفكري عاجلا أم آجلا لأن الإبداع لاينمو ولا يزدهر إلا في مناخات تسودها الحرية التي لاتتنافى مع فطرة الإنسان لذا نجده في حالة بحث دائمة عن الحرية ليتنفس هواءها ويشعر بأنه طليق في فضاء رحب يتسع لإبداعاته لا أن يحجر على فكره وتصادر آراؤه بحجة الخروج على المألوف، إذاً فمن هذا المنطلق تتضح لنا حقيقة حرية الكاتب العربي المرهونة برضا السيد الرقيب.