أبها – الحسن آل سيد رجال قريتنا رفضوا الشهادة أمام المحكمة خوفاً من أن تتجرأ نساء القبيلة من بعدي على المطالبة بإرثهن. انتظرت ثلاث سنوات حتى صدر صك حصتي.. وأخواي وصلا إلى المحكمة العليا في شهرين ونقضا الحكم. تروي المسنَّة «جبعة علي يحيى الزيادي» الشهيرة ب«أم سلمان» بكل حسرة وألم قصتها مع ظلم ذوي القربى، حيث لم يدر بخلدها أن يأتي يومٌ وينكر إخوتها حقها في إرث أبيها، قائلة «توفى والدي منذ أكثر من نصف قرن و ترك لنا -رحمه الله- مزارع ومواشي ومنازل وعشت في قريتنا (الفطيحة) التابعة لمنطقة عسير، وقد أجبرتنا العادات والتقاليد «البالية» عدم المطالبة بالإرث كون المرأة لا تورث، وفيه كسر للعادات والتقاليد، وقد نشأنا على ذلك منذ الصغر، وهو عندنا من العيب، ليقتسم إخوتي الذكور المواشي دون أن أنال منها شيئاً، ومرت الأيام وأنا لا أستطيع المطالبة بإرثي، وأولادي يكبرون ويريدون رعاية ومصاريف وصبرت على ضيق العيش حتى وصل مزرعة والدي طريق عام، وأُمر لنا بتعويض تم تقديره ب«ثلاثة ملايين ونصف»، وحاول إخوتي ترضيتي بعشرين ألف ريال، ووصل المبلغ إلى خمسين ألف ريال ولكنني رفضت إلا أن آخذ حقي من التعويض على حسب الشرع، ونحن ثلاثة «أشقائي الاثنان وأنا»، وقلت لإخوتي «إنني أريد حصتي من التعويض ومن باقي إرث أبي، وعند ذلك جن جنون أخي الذي بيده جميع الأمور، واستطاع أن يضم أخي الآخر معه، ورفضا إعطائي حقي من إرث والدنا وقد بذلت جهوداً كبيرة لإقناعهما.. ولكن دون جدوى ولم أستسلم واتجهت الى كل أهل الخير والجاه في قريتنا، وحاولت أن اجعل وسطاء خير ولكن إخوتي رفضوا كل النداءات والمساعي حيث أصر إخوتي أنه ليس لي من حق في إرث والدنا. ومضت الأيام وأعدت الكرَّة مرة أخرى؛ لعل وعسى أن تلين قلوب شقيقيَّ، ولكن الرد يأتي دائماً كما هو «ليس لك حقٌ عندنا!». لجوء للمحاكم وأضافت أم سلمان «لم أجد أمامي سوى اللجوء إلى المحاكم، وتقدمت بشكوى إلى المحكمة أطالب فيها بحصتي من إرث أبي، ولكن حبل المحاكم طويل وطرقه وعرة، ومع ذلك أخذت على عاتقي إكمال المشوار، ووقفت في طريقي العادات والتقاليد البالية التي لم ينزل بها من سلطان، وعندما حاولت أن استنجد بأهل قريتي -وجميعهم يعرفون حقي ويعرفون إرث إبي وما تركه من بعده- إلا ان الكل تخلى عني بحجة أن «المرأة لا ترث لدينا» وهذه عادات تربوا ونشأوا عليها والكل رفض الشهادة، وكنت أول امرأة في قريتنا تطالب بحقها من إرث والدها، وكان رجال القبيلة يرفضون الشهادة خوفاً من أن تتجرأ نساء القبيلة من بعدي بالمطالبة بإرثهن فتضيع من الكثيرين ثروات طائلة؛ حيث هناك نساء غيري لم يستطعن المطالبة بإرثهن من أجل هذه العادات والتقاليد التي ينادي بها الرجال في قريتنا. عودة الأمل وأكملت أم سلمان «بعد ذهابي إلى منازل الجميع محاولة شهادتهم في المحكمة وألا يكتموا الشهادة التي سوف يسألهم الله عنها، وقف معي شخصان فقط من قريتي هما: نائب القبيلة وإمام المسجد اللذان استعدا بالشهادة أنهما يعرفان حقي من والدي الذي تركه من بعده، عند ذلك عاد الأمل يتسلل إلى قلبي حيث تقدما للشهادة أمام قاضي محكمة الفطيحة، وظلت المحكمة في أخذ ورد، وأخذت أتردد على المحكمة التي لم أعرفها طوال حياتي حتى سلب إخوتي حقي ولم يكن يخطر ببالي أن أقف أمام إخوتي، ولم أكن أتوقع أن يكون إخوتي بهذه القسوة.. في ظل هذه الظروف أخذ إخوتي في التشهير بي وأنني خرجت من عادات وتقاليد القبيلة وأخذوا إرسال التهديدات ولم يسلم نائب القبيلة من التهديد ولا إمام المسجد وظلت القضية تراوح نحو ثلاث سنوات.. بعدها جاء ا لفرج. حكم المحكمة حاولت المحكمة الصلح فيما بيننا واستنفذت جميع المحاولات، وأخذت القضية مجراها وأخذت الجلسات تتوالى على مدار سنوات عجاف ما بين المحاكم والشهود وتعدد الجلسات حتى جاء يوم النطق بالحكم، حيث حكم القاضي لي بشرع الله، وصدر الحكم لي بدفع مبلغ خمسمائة ألف ريال حقي من التعويض، والحكم بإعطاء المدعية (جبعة) نصيبها من بقية الأرض «للذكر مثل حظ الأنثيين» وإلزامهم بذلك، وصُدق الحكم من محكمة التمييز، الدائرة الحقوقية الثانية في منطقة مكةالمكرمة، وفرحت فرحاً كبيراً رغم الغصة التى تعتلجني كلما تذكرت موقف أخوتي حيث لم يأت الحكم إلا بعد أن ذقت من الألم ما الله به عليم، وبعد أن نهشت الأمراض جسدي حيث أصبت بجلطة خلال فترة الجلسات والمحاكم، وقمت بإجراء عملية جراحية (ربط شريان) في الدماغ، ثم داهمني الروماتزم وهشاشة العظام، ولكن الحمد الله الذي أظهر الحق ولو بعد حين. المحكمة العليا و بعد أن صدر الحكم ومُيز من محكمة التمييز في مكةالمكرمة أخذ إخوتي في المماطلة وعدم سداد حقي وتم القبض عليهم والزج بهم في السجن رافضين تنفيذ الحكم، وخلال هذه الفترة -وبعلاقة إخوتي- تمكنوا من الوصول للمحكة العليا، ولم يدر بخلدنا أن المحكمة العليا قد تنقض حكماً تم تمييزه… تطور القضية و «بعد تطور القضية، وأنها أصبحت منظورة في المحكمة العليا، توجهت إلى الرياض لمقابلة القضاة في المحكمة العليا وتعريفهم بحقيقة القضية، ولكن فوجئت أنهم يقولون لي إن المحكمة العليا في محافظة الطائف، وتوجهت عبر وسيلة نقل برية (حافلة) إلى الطائف بصحبة ابني حيث ذهبت إلى المحكمة العليا، وحاولت مقابلة رئيس المحكمة العليا، ولكن مدير مكتب الرئيس رفض موضحاً أن الحكم صدر وتوجهت المعاملة إلى محكمة التمييز. الفاجعة.. نقض الحكم وحاولت أن اعرف منطوق الحكم ولكن دون جدوى، حيث رجعت أدراجي إلى قريتي ونحن نأمل في تثبيت الحكم والانتهاء من هذه القضية التي أنهكت قواي، ولم يعد لدي تحمل في إكمال المشوار، وصلنا قريتنا وتوجهنا مباشرة إلى محكمة الفطيحة حيث نزل الحكم علي كالصاعقة، ولم أعد أميز شيئاً حتى استفقت وتحدثت مع ولدي الذي قال لي: «المحكمة العليا نقضت الحكم بناء على حجج واهية وغير حقيقية»، قالت أم سلمان «سبحان الله أخذنا في المحاكم ثلاث سنوات حتى يصدر صك حصتي، وإخوتي في ظرف شهرين يصلان إلى المحكمة العليا وينقضان الصك»، ثم انهمرت دموع السيدة المسنة بحرقة ومرارة، وأضافت «بعد كل هذا المشوار الطويل وصك طوله أكثر من ستة أمتار ينقض الحكم في شهرين.. رحمتك يا رب». إعادة النظر ولا تزال المسنة «جبعة» في حيرة من أمرها، وأخذ الحديث، وقال ولدها سلمان «استنجدت بالإعلام ولكن لم يتبنَّ قضيتنا أحد، ونأمل في إعادة النظر في القضية، وحاولت توكيل محامٍ لمتابعة القضية من جديد، ولكن طلبوا مبالغ كبيرة ونحن على قدر حالنا» . صك المحكمة العليا الذي نقض صك أم سلمان طول صك ام سلمان لم يشفع لعدم نقضه