الشراكسة شعب نبيل حر يعيش في قفقاسيا (المنطقة الممتدة بين بحر قزوين والبحر الأسود). وهم ليسوا الوحيدين في هذه المنطقة، بل شعوب نبيلة شتى لعل الشيشان ممن سمعنا بهم في قتالهم للروس والقوزاق (شبيحة الروس). قاتلت هذه الشعوب الحرة القياصرة الروس وعشقت الحرية في طبيعة جبلية ساحرة. وحين شعرت بغلبة الروس غادرت الأرض وهي أعز بلاد الله عليها. وفي الطريق اندثرت بعض هذه الشعوب مثل (الوبيخ) الذين خلدت رواية (آخر الراحلين) قصة انقراضهم الأخيرة على لسان رجل منهم (زاورقان) ما قرأها إنسان إلا وأغرورقت عيناه بالدموع. أنا شخصيا قرأت قصتهم فلم أتحملها دفعة واحدة بل كانت الدموع تفيض فأقف؛ حتى أنهيتها في ثلاث دفعات، وبقيت مصدوماً ثلاثة أسابيع لا أكاد أرى الطريق أمامي! كان الطريق حافلاً بأساطيرهم وأشباحهم وقصصهم وغنائهم وعذاباتهم. التفتُ إلى زوجتي (الشركسية) ليلى سعيد -رحمة الله عليها وقلت لها يرحمك الله كيف لا تحدثيني عن شعبك وقومك وقصصهم؟ هزت رأسها الحكيم ساكتة؛ فلم تكن تريد أن تزيدني أحزانا فوق أحزاني؛ فأنا رجل فقد وطنه كما فقد الشراكسة أوطانهم ثلاث مرات؛ الأولى على يد القياصرة الروس فانتثروا ومزقوا شر ممزق. انتشروا في بلاد الأتراك والبوسنة والعراق والأردن وسوريا ومصر. حافظوا على تقاليدهم بصرامة، وقللَّوا التزاوج مع الشعوب الأخرى وتميزوا بنظافة وأناقة وجمال ووفاء وولاء. قال لي صديقي الطبيب الكردي الذي تخصص عند القياصرة الروس وتزوج من أنثى روسية: الروس أصحاب مصالح يبيعونك ولا يبالون! ولكن صديقك الشيشاني يفديك بنفسه: إنهم شعب نبيل. يمكن أن نفهم هذه الحكمة من تصريحات المسخوط الروسي ميدييف في باريس أن اعتراف الفرنساوية بالائتلاف الوطني السوري غير حضاري! كان النزوح الأول على يد القياصرة؛ فلما جاءوا وسكنوا الجولان السوري جاء النزوح الثاني على يد الأسد الأب في سوريا، حين أعلن سقوط الجولان قبل أن تسقط عام 1967م. كان لهم عشر قرى فذهبت معظم قراهم بخيانة الأب إلى بني صهيون فسووها بالتراب ثم بنوا مستعمرات صهيونية مكانها. والدة ليلى كانت من قرية الخشنية في الجولان المحتل. بقيت قريتان بعد النزوح الثاني حيث بنيت لنفسي فيلا جميلة في الهضبة الباردة في البريقة. كان النزوح الثالث على يد العصابات الأسدية من الابن الملعون. حالياً غادر الشراكسة قراهم للمرة الثالثة، أما بيتي فقد احتله الجيش الأسدي، ولا يستبعد أن يجلس فيه ضابط قميء من العصابة فيزعم ملكيته؛ فبنو الأسد وبنو صهيون من فصيلة السنوريات يلتهمون العباد والبلاد والشجر والورق والدواب والبيوت. هذا إذا فشلت الثورة؛ أما إذا نجحت فليس أمامنا إلا الأنقاض والأطلال نبكيها، ولكن بدموع فرح بولادة سوريا محررة.