يصرّ كل طرف في مصر على عدم التنازل عن موقفه، فمؤسسة الرئاسة لا ترى إمكانية لسحب الإعلان الدستوري الأخير رغم ما أحدثه من أزمات آخذة في التصاعد، وهي تؤكد أنها لن تسحب قراراً تعتقد أنه سيخدم المصريين، فيما المعارضة ترفع شعار «لا حوار قبل سحب الإعلان الديكتاتوري»، وهو شعار «ثوري» أكثر منه «عملي». سياسياً، يبدو هذا الوضع غير مريح، فالحوار الوطني يفترض أن ينزل كل طرفٍ من عليائه للجلوس على مائدة حوار، خصوصاً إذا وجد أن المجتمع يتهدد بالاستقطاب والفوضى، وإلا قد يُفسَّر هذا الإصرار من المعارضة على أنه محاولة منها لرفع سقف المطالب والتصعيد للإطاحة بنظام لم يثبِّت أركانه بعد، وهي رؤية يذهب إليها كثير من مؤيدي الرئيس المصري خصوصاً بعدما وجدوا أن ميدان التحرير صار مفتوحاً أمام أنصار النظام السابق. ومن الناحية المنطقية، لا يبدو خيار تراجع الدكتور محمد مرسي عن إعلانه بالكامل أمراً متاحاً، إذ إن سقوط هيبة السلطة التنفيذية بالتراجع عن قرارات مهمة للمرة الثالثة قد يفقدها السيطرة على أجهزة الدولة نهائياً، وقد يحيلها إلى «لعبة» في يد من سيعارضون قراراتها المقبلة. في المقابل، ينتظر المصريون المعارضون والمؤيديون إيضاحات من السلطة بشأن المواد الخلافية في الإعلان الدستوري لإنهاء هذا الانقسام الذي لم تعرفه مصر منذ قيام ثورة يناير. وفي الواقع، يولِّد هذا الصراع السياسي والمجتمعي الحاد انقساماً نفسياً لدى الشعب، ويُشعره بالإحباط، خصوصاً إذا كان المناخ معبئاً بالعنف أحياناً وبالإشاعات والمكائد أحياناً أخرى، وهو وضع شديد الخطورة يعطل البناء ويعيق التقدم. وليس مفيداً إلقاء كل طرفٍ التهمة عن الأزمة على الآخر، فكلهم مشارك في التأزيم، وقد يكون جزءاً من الحل إذا استقرت القناعات بأنه لا مجال للتغليب ولا إمكانية لفرض رؤية بالقوة. وحتى كتابة هذه الكلمات، يترقب الشعب المصري خطاباً تليفزيونياً من رئيسهم المنتخب يطمئنهم فيه على أنه لا إمكانية لبناء ديكتاتورية جديدة، ويخبرهم بأنه رئيس لكل المصريين يسمع هتافات الميادين ويحاول الخروج من النفق المظلم.