يتسلم الدكتور محمد مرسي، أول رئيسٍ مدني لمصر بعد ستة عقودٍ عسكرية، تركةً ثقيلة، فبلاده مثخنة بالجراح السياسية والاقتصادية، والميادين مازالت ممتلئة بالغاضبين من المجلس العسكري وإعلانه الدستوري المكمل، والأمن غائب في الشوارع والقرى، والاقتصاد مستمر في التراجع، والعلاقات الخارجية لمصر أضحت ضعيفة تأثراً بعامٍ ونصف انكفأ فيها المصريون على أنفسهم لحل أزماتهم الداخلية. علاوةً على ذلك تعاني مصر من انقسامات سياسية وفكرية حادة بين التيارين الإسلامي والليبرالي أدت إلى تعطلٍ لمسار صياغة الدستور الجديد وتوجسٍ بين المواطنين دفع قطاعاً واسعاً منهم إلى انتخاب أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، لخطابه الذي يركز على استعادة الأمن وتحسين مستوى المعيشة بعيداً عن الخلافات الأيديولوجية. وعلى الرغم من هذه المعطيات الموحية بتعقد المشهد، فإن محمد مرسي يبدو على موعدٍ مع كتابة التاريخ إذا نجح في الخروج ببلاده من أزماتها الخانقة وساهم في نقلها إلى مرحلة الاستقرار والديمقراطية، وهو ما لن يتأتى إلا بجمع الفرقاء على طاولةٍ واحدة. إن مصر الدولة المؤثرة في محيطها العربي والإسلامي تبدو في حاجةٍ إلى حوار وطني واسع يرسم ملامح مستقبلها القريب خصوصاً في ظل غياب الدستور وحلِّ البرلمان وغموض موقف المؤسسة العسكرية، لذا فإن مرسي مُطالبٌ بتبني دعوة الحوار بين القوى السياسية وجمع المدنيين بالعسكريين على طاولةٍ واحدة للاتفاق على توحيد الجهود من أجل خدمة المصريين وتجاوز خلافاتٍ زرعتها مخاوف كل طرفٍ من الآخر، حتى تتمكن مصر من الانتقال إلى مرحلة البناء. في المقابل لن يكتمل مشهد التوافق إلا بمد القوى المعارضة للإخوان يدها إلى مرسي، فقد حاز الشرعية وصار رئيساً لكل المصريين وإن فاز بنسبة 51.7 % من الأصوات. إن الأزمات التي مرت بالمصريين خلال العامين الماضيين بيّنت أن التوحد على المصلحة هو طريق الخروج من المحن وأن الاستسلام للاختلافات في الرؤى ما زاد المرحلة الانتقالية إلا ارتباكاً وما عاد على مصر إلا بضبابية أثرت على اقتصادها وحياة مواطنيها سلباً، وهو وضعٌ سلبي لن ينهيه إلا إعلاء المصلحة الوطنية على حسابات المكسب والخسارة لتَسَعَ أرض الكنانة كل أبنائها.