من المعروف أنّ منظومة باتريوت هي منظومة صاروخية اعتراضية أرض – جو، وقد تمّ استخدامها بشكل مكثّف إبان حرب الخليج الثانية، وأيضاً في الحروب التالية ومنها غزو العراق عام 2003، حيث تمّ نشر هذه المنظومة في أراضي الدول الحليفة للولايات المتحدة وكخطوة احترازية دفاعية. وقد قامت تركيا بنشر هذه المنظومة على أراضيها إبان حرب الخليج لنفس الغرض أيضاً، وهي تدخل الآن في الخطوات العملية والإجرائية لنشر هذه المنظومة مرة أخرى ولكن على الحدود مع سوريا بعد الموافقة على طلبها المقدّم لحلف شمال الأطلسي. لقد تمّ تصنيع هذه المنظومة في البداية لاعتراض الطائرات في أواخر عام 1988، لكن ما لبث أن تمّ استخدامها بشكل محدود لاعتراض الصواريخ البالستية، وهو الدور الذي قامت به بعد هذا التاريخ. لكن مع إعادة تعديل هذه المنظومة تحت عنوان (Pac-3) أصبحت أكثر قدرة وتخصصاً على اعتراض الصواريخ البالستية التكتيكية. وفي هذا الإطار، فإن تفسير الحكومة التركية يأتي دوماً في إطار المنطق الدفاعي. وعلى الرغم من أنّ البعض يشكك في مدى فعالية هذه الخطوة وتأثيرها في الداخل السوري، إلا أنها في حقيقة الأمر ستضع ضغوطاً نفسية كبيرة على النظام السوري، إذ سيكون عليه أن يعيد حساباته قبل القيام بعمليات على المناطق والبلدات السورية على الحدود مع تركيا. ومن شأن هذا الوضع أن يتيح مزيداً من الحرية والحركة للجيش الحر والمعارضة المسلّحة للنظام ويدفعها للتركيز على عمق الداخل السوري، وهو ما سيؤدي إلى إيجاد منطقة آمنة بحكم الواقع، على اعتبار أنّ النظام سيكون مهتماً بحشد قواته في العمق بدلاً من الأطراف التي تحتمل إمكانية جر الناتو إلى معركة لن يكون للنظام السوري بطبيعة الحال القدرة على خوضها في مثل هذه الظروف. وعليه، فإن الاستخدام الدفاعي لل«باتريوت» مقروناً بأجندة سياسية ودعم عسكري قد تنتج عنه منطقة آمنة داخل سوريا على الحدود مع تركيا بحكم الواقع. وإن كانت تركيا تؤكد على الطبيعة الدفاعية لل«باتريوت» حتى الآن، إلا أنّ أحداً لا يمكنه أن يتنبأ بالتطورات القادمة، وعليه فقد يستخدم بطريقة تعزز من منطق إنشاء منطقة آمنة. فاستخدام منظومة باتريوت في استراتيجية هجومية سيظل متاحاً وإن لم يتم الإعلان عن ذلك، لأنه سيرتبط بواقع الأمر مع طبيعة التطورات الحاصلة على الجبهة السورية، والكيفية التي سيقوم النظام السوري بالتصرف بها. فإن تدهورت الأوضاع في الداخل السوري وكانت هناك نيّة للنظام لتوسيع جبهة المعركة على الصعيد الإقليمي، عندها لن تضطر تركيا للبدء من الصفر، فستكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة هذه التطورات. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ هذه المنظومة قد يتم تدعيمها بطائرات أواكس، عندها سيكون التحضير للمنطقة الآمنة عملياً قد بدأ.