ما هي معالم المشروع الجديد للمنظومة الأميركية المضادة للصواريخ؟. كيف تعمل هذه المنظومة؟. وأين سيجري نشر عناصرها؟. في السابع عشر من أيلول سبتمبر 2009، تخلى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن الخطط الأميركية الخاصة بنشر درع مضاد للصواريخ في شرق أوروبا، تتشكل حلقته الأرضية من عشرة صواريخ اعتراضية من فئة (GBI)، تقرر نصبها في بولندا، ورادار متقدم تقرر وضعه في جمهورية التشيك. وكان من المقرر أن تدخل أول الصواريخ الاعتراضية الخدمة العسكرية في أوروبا بحلول العام 2011، بينما يستكمل نشر البقية منها بحلول العام 2013. وجرى اقتراح تشييد الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا في العام 2007 .وكان هدفه المعلن رسمياً هو التصدي لصواريخ باليستية قد يجري إطلاقها من إيران. وقد أشار الرئيس أوباما إلى سببين يقفان خلف قراره بالتخلي عن هذا الدرع: الأول المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى أن إيران تركز على تصنيع وتطوير منظومات صاروخية قريبة ومتوسطة المدى، وليست بصدد صواريخ باليستية طويلة أو عابرة للقارات، في المنظور القريب. وأما السبب الثاني، فيتمثل في أن التطوّر التقني الذي شهدته أنظمة الصواريخ الاعتراضية يشير إلى أن استخدام القواعد أو السفن البحرية أكثر قدرة على حماية أوروبا، من تلك المنصوبة على الأرض. وتتكون المنظومة الأميركية الراهنة للدفاع المضاد للصواريخ من ثلاث حلقات، برية وبحرية وجوية. تعنى الحلقة الأولى باعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وهي الحلقة الأرضية، وتشمل منطقتين لمواقع الصواريخ الاعتراضية من نوع (GBI) في ألاسكا وكاليفورنيا. وتوجه الصواريخ الاعتراضية، التي تنتجها شركة بوينغ، بواسطة رادارات للكشف المبكر وتحديد الأهداف، أقيمت في كل من النرويج وغرينلاند. وتدرس خطة حالياً لاستخدام نظامي (PAC – 3) و(THAAD) لاعتراض الصواريخ الباليستية، رغم اختصاصهما بالدرجة الأولى بمقاومة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وجرى لاحقاً التخطيط لتوسيع الحلقة الأرضية، بإضافة موقع جديد في شرق أوروبا. وقد قرر الرئيس أوباما التخلي عن هذا الشكل من التوّسع، وتوّجه إلى تعزيز الحلقة البحرية. ولدى الولاياتالمتحدة في الوقت الراهن 18 صاروخاً اعتراضياً تنطلق من منصات فوق سطح الأرض، منها 16 صاروخاً في ألاسكا وصاروخان في كاليفورنيا. وقررت إدارة أوباما رفع هذا العدد إلى ثلاثين صاروخاً في السنوات القادمة. وتقنياً، تعتمد الأنظمة المضادة للصواريخ على تكنولوجيا بالغة الدقة لإصابة رصاصة برصاصة. وبدل استخدام رأس حربية متفجرة، تصطدم القذيفة المعترضة بصاروخ عابر للقارات أثناء تحليقه على ارتفاع أدنى من ارتفاعه المداري. وتؤدي قوة الاصطدام إلى تدمير القذيفتين، أي الصاروخ القادم والصاروخ المعترض. والنجاح في استهداف مثل هذا الصاروخ يتطلب اتخاذ إجراءات الرد خلال فترة تتراوح بين دقيقتين إلى 15 دقيقة، وهي فترة زمنية أقصر كثيراً من إجراءات الردع النووي، التي كانت معتمدة في حقبة الحرب الباردة. وقبل اكتمال المنظومة الجديدة المضادة للصواريخ، التي قرر الرئيس أوباما تشييدها، سوف تلتزم الولاياتالمتحدة بالإبقاء على ثلاث سفن حربية في البحر المتوسط وبحر الشمال، مزودة بمنظومة "ايجس"( Aegis Weapon System) المضادة للصواريخ، وذلك بهدف الدفاع عن الولاياتالمتحدة وحلفائها. وفي الأصل، فإن منظومة (AEGIS) مخصصة لاعتراض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. وهي غير قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات إلا في بداية المسار، وبشرط التواجد بالقرب من نقطة الانطلاق. وقد تم نشر مجموعة من السفن المضادة للصواريخ المزودة بهذه المنظومات في بحر اليابان، بهدف اعتراض الصواريخ الكورية الشمالية. أما المنظومة المتكاملة المضادة للصواريخ، المقرر إقامتها، فسوف يجري تشييدها على أربع مراحل: في المرحلة الأولى، أي قبل العام 2011 ، سوف يجري نصب المنظومات الحالية للدفاع المضاد للصواريخ، بما فيها منظومة (AEGIS)، والصواريخ الاعتراضية من طراز ( (SM-3 bloсk1A ، بالإضافة إلى محطة رادارية متحركة. وتقضي المرحلة الثانية من المنظومة المتكاملة، أي حتى العام 2015 ، بنشر النموذج المطوّر للصاروخ السابق وهو ( SM-3 bloсk1B)، براً وبحراً، بالإضافة إلى تفعيل العدادات الأكثر تطوراً، وذلك بهدف توسيع المنطقة المحمية من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وتقضي المرحلة الثالثة من المنظومة المتكاملة ، أي حتى العام 2018، بنشر صواريخ، ( SM-3 bloсk2A)، التي يجري حالياً العمل على تصميمها، والتي ستنشر على سفن القوات البحرية الأميركية، وفي ثلاث مناطق على أقل تقدير. أما المرحلة الرابعة، أي حتى العام 2020، فتقضي بنشر الصواريخ الاعتراضية من فئة ( SM-3 bloсk2B) لتواجه خطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، إلى جانب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ويمكن إطلاق هذه الصواريخ أيضاً من منصات أرضية متنقلة، أي أن ضرب مواقع إطلاقها يعد أمراً صعباً. وبوجه عام، سوف يجري نصب صواريخ (SM-3)، بفئاتها المختلفة، في حوالي 70 سفينة حربية أميركية، وستحمل كل سفينة 90 إلى 122 صاروخاً من هذا الطراز. وكان صاروخ (SM-3)، أطلقه طراد "ليك اري"، في 29 شباط فبراير 2008، قد تمكن من تدمير قمر صناعي أميركي معطوب، كان يسير بسرعة 27.3 ألف كيلومتر في الساعة، أو قرابة 7.6 كيلومترات في الثانية. ويكمن الاختلاف الرئيسي بين المنظومة الجديدة المضادة للصواريخ، التي يجري التداول بشأنها حالياً، وتلك التي تم إقرارها في العام 2007، في عدم احتواء المنظومة الجديدة على الصواريخ الاعتراضية الطويلة المدى من فئة (GBI)، البالغ مداها آلاف الكيلومترات، والتي نظر إليها الروس على أنها تشكل تهديداً لقواتهم الصاروخية الإستراتيجية، الكائنة في الجزء الأوروبي من البلاد. وكذلك لحاملات الصواريخ الإستراتيجية التابعة للأسطول الروسي الشمالي. ففي حالة الضربة الأولى المفاجئة، التي تدمر الجزء الأكبر من القوات النووية الإستراتيجية، ستظل المنظومة الأميركية قادرة على اعتراض الأغلبية الساحقة من الصواريخ المتبقية، الأمر الذي يغير نظرية الدفاع النووي بشكل جوهري. وحسب الرؤية الروسية ذاتها، فإن درجة التهديد تتزايد مع نشر الحلقات الجوية والفضائية من الدرع الصاروخية، إذ أنها عبارة عن أجهزة طائرة في الغلاف الجوي وعلى المدار، وقادرة على ضرب الصواريخ ورؤوسها. وبالعودة إلى المنظومة الجديدة ذاتها، فقد أوضح وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، في مقالة له بصحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون"، نشرت في 21 سبتمبر أيلول 2009، أن إنشاء هذه المنظومة قد لا ينحصر على دول وسط أوروبا، بل يشمل بقية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكانت ميشيل فلورين، مساعدة وزير الدفاع الأميركي، قد أشارت إلى أن الولاياتالمتحدة لا تنوي تحديد المنظومة الجديدة بأية أطر جغرافية. وقالت: إنه "في حال تغيّر الوضع الجيوسياسي قد تضطر واشنطن إلى نقل الصواريخ الاعتراضية، التي ستشكل العنصر الأساسي في هذه المنظومة، من منطقة إلى أخرى في العالم، دون أية قيود". وفي وقت لاحق، حرص البيت الأبيض على التشديد على أنه لا ينوي وضع أية عناصر من منظومته الجديدة المضادة للصواريخ في أية دولة غير الدول الأعضاء في حلف الناتو. وقد صدرت هذه التأكيدات بعد أن أذيعت أنباء حول احتمال نصب صواريخ (SM-3) في أوكرانيا، الأمر الذي نفاه الأميركيون على وجه السرعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن كون المنظومة الجديدة تعتمد، بصفة أساسية، على صواريخ اعتراضية محمولة على متن السفن الحربية، فإن الولاياتالمتحدة بمقدورها عملياً مد هذه المنظومة إلى كافة مناطق العالم التي تقرر التركيز عليها، دون الالتفات لأي اعتراض من هنا أو هناك، إذ أن القانون الدولي يجيز تمركز السفن الحربية الأجنبية في أعالي البحار، خارج المياه الإقليمية للدول ذات السيادة. وما يمكن قوله خلاصة هو أن مشروع الرئيس أوباما الجديد للدفاع المضاد للصواريخ يعد خطوة متقدمة على طريق خلق توافق دولي، يتجه نحو تعزيز فرص الأمن والسلم العالميين، ويجعل من التفاهم والحوار أساس العلاقة بين الدول والشعوب.