أعلن وزير المالية السعودي في كلمته أمام الاجتماع الثاني عشر لرؤساء أجهزة التقاعد المدني والتأمينات الاجتماعية في دول مجلس التعاون أنه تجري حالياً: «مراجعة لأنظمة التقاعد في المملكة بما يعزز مزاياها»، وأنه «لابد من تطوير أنظمة التقاعد والتأمينات بما يتماشى مع أهدافها ولا يعرضها لمخاطر العجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين والمستفيدين». مبدئياً لا أحد يعترض على هذا الكلام، فالعزم على تطوير هذه الأنظمة باتجاه ضمان حياة كريمة ومستقرة للمتقاعدين سيكون محط ترحيب واستحسان من قبل جميع فئات المجتمع، لأن الوضع الحالي لعديد من المتقاعدين (باستثاء عدد من متقاعدي أرامكو) ليس بالأمر المريح، بسبب معاناتهم من محدودية معاشهم التقاعدي. فلو أخذنا ما تدفعه التأمينات من مستحقات شهرية ( 974مليوناً) إلى276 ألف مستفيد، لوجدنا أن متوسط هذه المستحقات لا تتجاوز 3600 ريال شاملة ال5% السنوية التي أمر بدفعها مجلس الوزراء للمتقاعدين قبل ثلاث سنوات كبدل غلاء معيشة، وهذا المبلغ حينما يكون هو مصدر الدخل الوحيد فإنه لا يكفي لمواجهة أعباء وتكاليف الحياة التي هي في ازدياد مستمر، مع غياب أي مؤشر لعودة مستويات التضخم المالي إلى النسب التي كانت عليها سابقاً. وربما هذا ما حفز مجلس الشورى على إعداد توصية لرفع معاشات المتقاعدين إلى أربعة آلاف ريال! فهل لو اعتمدت هذه التوصية سيكون هذا المبلغ كفيلاً بتوفير الحد الأدنى من الدخل لحياة آمنة وإلى متى سيستمر ذلك؟ وهذا هو المحور الأساسي الذي يجب أن يؤسس عليه أي إصلاح في أنظمة التقاعد. إن هدف التطوير لأنظمة التقاعد الذي أشار إليه معالي الوزير هو في ضمان قدرة مؤسسات التقاعد على الوفاء بالتزاماتها تجاه مشتركيها، وتجنب أي وضع قد يؤدي إلى نشوء عجز جراء عدم التوازن بين مصروفات المؤسسة وبين ما تستقبله من اشتراكات، وهذا لو حدث فستطال آثاره جل المجتمع، فهل وزارة المالية ومؤسسات التقاعد هي المعنية وحدها بإيجاد الحلول العادلة لمعالجة هذه القضية الاجتماعية المهمة؟ أم إن هذا المسألة تعد قضية وطنية يجب أن يشترك في مناقشتها ومعالجتها جهات عدة بما في ذلك تلك الشريحة الاجتماعية الأكثر عرضة للتأثر بما يمكن أن يصيب هذه المؤسسات من عجز أو إخفاق! فهؤلاء مبعدون، وليس لهم أي تمثيل في أية جهة، أو صوت يعبر عنهم وينقل معاناتهم الحقيقية بما في ذلك إلى مجلس إدارة التأمينات، الذي حينما نتمعن في تركيبته سنجد أن الأعضاء الذين يفترض أن يمثلوا المشتركين هم أقرب (بوظائفهم الحالية) إلى أصحاب العمل من جمهور المشتركين، وبالتالي فإن هذا المجلس يعبر أكثر عن مصالح أصحاب الأعمال، الذين لا يتوقع منهم أن يتخذوا أي موقف قد يمس بمصالح شركاتهم. ومن هنا فإن معالجة مشكلاتنا الحالية والقادمة يحتاج إلى مراجعة شاملة وجذرية لمعظم النظم المتبعة في الوقت الراهن، تعتمد على نهجٍ إصلاحي يرتكز على آلية جديدة لإشراك أغلبية المواطنين في هذه المراجعة لتحديد مصالحهم وتقرير مصائرهم.