على طريقة أمين معلوف في «سلالم الشرق» جاءت رواية «كيتوس» لمها الجهني مستعينة بالتنقيب التاريخي «الإسنادي» كما يسميه تودوروف، في مغامرة سردية شاقة ابتدأت من القرن الماضي (1902م) لتنتهي على ضفاف هذا العصر. أكثر ما لفتني في الرواية التي امتدّت حتى 326 صفحة هو معرفة الجهني التفصيلية بالحياة اليومية في قلعة القطيف وقراها، بكل ما تحمل من مناخات، ومسمّيات، وطقوس، وأمكنة، ومغاصاتٍ، ومقاهٍ، وعادات، وتقاليد، وحروب، ومعاهدات، واتفاقيات تخصّ أهل المنطقة دون غيرهم! لقد حوّلت القلعة البائدة لشيء ساحر يشبه «قلعة آلموت»! فكيف استطاعت ابنة جدة أن ترصد مدينةً تقع في الساحل الشرقي في حبكة روائية متماسكة؟! هذا التساؤل المشروع يلمّح للجهد التاريخي الذي بذلته الجهني دون أن تذهب بروايتها لمنطقة مسكونة بالراحة، كما جرت عليه عادة معظم مجايليها! فالاشتغال الروائي الحقيقي يحتاج لعمل مضنٍ لا يصبر عليه الكثيرون. ويبقى السؤال قائماً: في قبالة «كيتوس» أين هم روائيو المنطقة؟ ولماذا لم يكتب أحدٌ منهم مدينتهم كما فعلت الجهني؟ أو كما فعل روائيو الدمام، وجدة، وأبها، وحائل، والقصيم، والرياض، وغيرها؟ رغم وجود اشتغالات هنا وهناك، عند عيد الناصر في «هسهسة التراب»، ولدى مظاهر اللّاجامي في «الدكّة»، وغيرهما، لكنها تبقى تلويحات استثنائية إذا ما قورنت بأعمال روائية عديدة لم تلامس سوى السطح! مدننا على امتداد البلاد مازالت تحتاج لروائيين يقلبون التاريخ رأساً على عقب ليعالجوا قضايانا الراهنة بجرأة عبر فهم طبيعة تكوّنها، وكيفية استئصالها، بالعمل على تفكيكها، وتفكيك النص التاريخي المتولّد معها كما فعلت الجهني في كيتوس.