هل كان على سكان مدينة جدة في الذكرى الرابعة لمأساة السيول، في الثامن من الشهر الهجري الجاري وهي الذكرى السنوية لمأساة السيول، إقامة نصب للمتسببين الحقيقيين في تلك الكارثة تأسيا بما يحدث من طقوس لنبذ الشيطان وعداوته في موسم الحج المبارك بعد أن ملوا انتظار الإعلان عن المتسبب فيها؟ 1440 يوما من حدوث (المأساة) وانعقاد الجلسات القضائية والاستماع إلى متهمين افتراضيين لانعرف عنهم سوى ألقابهم (قيادي سابق في أمانة جدة، كاتب عدل، رئيسان لنادٍ رياضي شهير، وكيل أمانة، لاعب كرة قدم معروف وسمسار أراضٍ..) كان المشترك بينها أنه لم يرسب أحد، ولم يتم بعد تلك السنوات العجاف الوصول إلى حكم ، والقصاص ممن أزهق روح شهداء هذه المأساة. تلك السنوات لم تكن كفيلة بأن تريح أهالي الشهداء أو تعيد الوجه الباسم لعروس البحر الأحمر أو أن تلقي بالمتسببين في هذه المأساة إلى مقصلة القصاص، فكلما بشرتهم وسائل الإعلام عن جلسة قضائية ما تلبث أن تنتهي بفتح تحقيقات جديدة في تهم رشاوى وبيع أراضٍ ومخططات وممارسة العمل التجاري لذات المتهمين، تهم تبتعد كل البعد عن ما يود سماعه أهالي وذوو 58 مواطنا سعوديا، منهم 31 شهيداً و27 شهيدة، و58 مقيماً، توزعت جنسياتهم بين 14 يمنيا، 7 تشاديين، 7 برماويين، 6 باكستانيين، 5 مصريين، 6 هنود، 4 سودانيين، 3 بنجلاديشيين، وامرأة أمريكية وأخرى نيجيرية وثالثة إندونيسية، ورجل إثيوبي وآخر مغربي وثالث أردني. لقد مل أولئك ونحن معهم الانتظار، مللنا من التأجيل والإطالة، فقضية (جدة) تحتاج إلى الخروج من عنق الزجاجة ولن يتم ذلك إلا بالانتهاء من محاكمة كل من خان وطنه وكان سببا في غرق (العروس) وعبث بأرواح العباد وممتلكاتهم ليذوق مرارة فعلته التي لاتقل إثما وعدوانا عن جرائم الذين فجروا في الرياض وينبع والشرقية فجميعهم إرهابيون وتجب محاكمتهم علنا ودون إبطاء أو مماطلة. نريد الانتهاء عاجلا من محاكمة كل متسبب حقيقي في تلك الكارثة ونشر قائمة تحمل أسماء وصور كل الفاسدين الذين أدخلوا الرعب لسكان تلك المدينة، وارتضى بعضهم على أنفسهم بيع أرض غير صالحة للسكن على المواطنين والمقيمين مرورا بمن أصدر الموافقات الرسمية لهم من البلديات وكتابات العدل. نتفق جميعا أن من أسباب الكارثة عدم التخطيط الجيد لمحافظة جدة منذ نشأتها وعدم وجود مشاريع البنى التحتية التي تتوفر في أفقر مدن العالم كمشروع تصريف السيول والصرف الصحي وعدم مراعاة أماكن الأودية وغيرها، ولكن السبب الحقيقي الذي أوجد تلك الأسباب والذي يجب أن يضرب بيد من حديد هو الفساد الإداري وما نتج عنه من صرف للمال العام بغير وجه حق من جهة، وتضييع للحقوق من جهة أخرى، وذلك من خلال عدم تنفيذ المشاريع أو تنفيذها بمواصفات أقل. كم نتمنى بعد هذه السنوات الأربع أن تجرف سيول جدة ما أصابها من فساد، حذر منه خادم الحرمين الشريفين في خطابه التاريخي عقب (المأساة) مباشرة، وأن تفضح معها المتلاعبين بالأموال العامة والعابثين بأوطانهم. إن تبني فكر جديد يقوم على تأصيل مبدأ التخطيط في مدننا من قبل أماناتها وبلدياتها بما يحقق الاحتياجات الحقيقية لها ولسكانها يبدأ بأن يقدم كل مسؤول وزيرا كان أو أمينا أو مسؤولا تنفيذيا سجلا بأملاكه وذمته المالية قبل توليه منصبه مع متابعته ومحاسبته بعد إعفائه من قبل الجهات الرقابية، ولعل (السيول) تكون فاتحة الخير لقيام الجهات الرقابية بالعمل اللازم لمتابعة الخطط والمشاريع ومحاسبة المسؤولين عنها -مؤسسات أو أفراداً- قبل فشلهم أو تعثر مشاريعهم وإهدارهم للمال العام. إن من حق جيلي والأجيال التي شهدت مأساة جدة الأولى والثانية أن تسعد بالقصاص من المتسببين الحقيقيين بإرهاب سكان مدينتهم، وأن تسعد قلوبهم أيضا بقضاة أكثر احترافية في معالجة قضايا الرأي العام والفصل فيها وإعطاء كل ذي حق حقه قبل هرمه وموته ودون أن يلجأ إلى إقامة نصب لسارق مجهول (يفش) فيه غله بسبب انتظاره وإحباطاته.