أحمد معمور العسيري يوم 14 أكتوبر 2012م لم يكن يوماً معتادا في سجل البشرية .. فمن على حافة العالم ومن خارج الكرة الأرضية ومن حدود الغلاف الجوي للأرض نجح المغامر النمساوي «فيلكس بومغارتنر» (43 عاماً) في تحقيق أعلى قفزة في تاريخ البشرية. إحصائيات الرحلة المثيرة تقول: إن المغامر والمظلي النمساوي قفز من كبسولة معلقة في بالون من ارتفاع 39 ألف م . ووصلت سرعته أثناء هبوطه 1342كم / س مخترقا وكاسراً سرعة الصوت ومقتحماً الغلاف الجوي للكرة الأرضية ، واستغرق هبوطه تسع دقائق فقط ، فهبط فوق صحراء ولاية نيومكسيكو الأمريكية ، وقد كلفت المغامرة ثلاثين مليون دولار! واستغرق الإعداد لها خمس سنوات! فحقق من خلال قفزته تلك ثلاثة أرقام قياسية تاريخية دفعة واحدة ، أعلى قفزة سقوط حر في تاريخ البشرية ، وأسرع قفزة لإنسان عبر التاريخ ، وأعلى ارتفاع وصل إليه إنسان بمنطاد . دخل صاحبنا التاريخ ببطولته وشجاعته النادرة وروحه المغامرة .. وما تحقق على يديه إنجاز علمي فريد ونجاح إنساني كبير وإضافة نوعية للعلم والمعرفة .. أنجز مهمة أشبه ما تكون بالانتحارية .. وسبق أن مات ثلاثة أشخاص حاولوا تنفيذ المهمة !! حقق إنجازاً سيشبع دراسةً وبحثاً من قبل العلم والعلماء! ماذ استفاد العالم من قفزة فيليكس؟ لا ينبغي أن تكون هناك فائدة مباشرة وواضحة لأية مغامرة. ربما لا تتجسد نتائج مغامرة فيليكس إلا بعد سنوات. والمغامرة تتفق مع صميم غريزة الإنسان التي طالما دفعته للمغامرة والاستكشاف.. تلك الغريزة التي ندين لها بحضارتنا المادية والفكرية.. وهي المحركة لمبدأ عِمارة الأرض! جميع الإحصائيات والأرقام المتحققة مكتسبات علمية .. تضاف للعلوم الإنسانية . من الفوائد تحسين فهم العلماء للبذلة والأوضاع المثالية لحماية الإنسان الساقط من ارتفاعات شاهقة، مما قد ينقذ مستقبلا، رواد فضاء أو طيارين أو حتى ركاب طائرات مستقبلية من الموت المحقق .. المعلومات التي سيتم جمعها من القفزة ستوفر مادة لتطوير الجيل الجديد من بزات رواد الفضاء . القفزة ستوفر إجراءً مثالياً لهروب رواد الفضاء في حال احتراق مركباتهم وهذه نقطة مهمة القفزة ستساعد على تقديم تفسير للآثار التي يتعرض لها الجسم البشري تحت سرعات عالية تلامس سرعة الصوت، كما ستساهم في تطوير أنظمة الباراشوت والمناطيد والقفز المظلي. وقد تكون فتحاً مستقبلياً في مجال السياحة الفضائية. وأخيراً فإن ما يقال من أن القفزة كسرت قوانين نيوتن الفيزيائية هو كلام عار عن الصحة ، بل ما فعله فيليكس مطابق تماماً لها! وعموماً فإن لم يكن من مكسب وراء قفزة فيليكس إلا دفع الناس لإعادة مراجعة قوانين الفيزياء وفهم سنن الله في خلقه وفي الكون.. لكفى! لكن أين نحن من كل هذا؟! لقد حثنا ديننا على العلم والبحث والتقصي والاكتشاف ، قال تعالى : (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض انفذوا لا تنفذون إلاَّ بسلطان) والسلطان هنا هو العلم ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلّم:(الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى بها) والحكمة هنا هي العلم أيضاً .. وعلماؤنا السابقون في القرون الأولى حققوا نجاحات علمية مذهلة في كافة المجالات العلمية التطبيقية والتجريبية . ويطيب لي في هذا المقام أن أعبّر عن احترامي لعالمنا الكبير العباس بن فرناس أول إنسان في تاريخ البشرية حاول الطيران.. وقد قفز منذ ألف عام قفزة لا تقل أهميتها في ذلك الزمان عن قفزة فيليكس.. وذهب ضحية العلم وشهيد المعرفة! ولي أن أتساءل هنا..في الغرب يتنافسون على هذه الأمجاد العُليا.. فعلى ماذا نتنافس نحن؟! أين مراكز البحوث العلمية والتجارب العلمية في بلادنا؟ البحوث العلمية عندنا.. كم ينفق عليها؟ وما نصيبها من اهتمام الدول العربية والإسلامية؟ ماذا فعلت الدولة في تشجيع العلم والعلماء؟ ماذا فعلت الدولة لتبني المواهب الواعدة ورعايتها الرعاية الحقيقية؟ العالم من حولنا حلقوا في أعالي الفضاء.. ولا زلنا قابعين!