بعيدا عن السخرية من الذات، وواقع الحال الذي ينتشر في المواقع الإلكترونية العربية، فإن قفزة فيليكس بومغارتنر لم تكن مغامرة كما أشارت معظم وسائل الإعلام، بل هي مجموعة من التجارب العلمية في إطار البحث والتطوير وبتكلفة بلغت مئات الملايين من الدولارات. القفزة تمت في إطار برنامج «ريد بول ستراتوس» لرعاية وتشجيع البحث العلمي، حيث صمم الخبراء لباسا خاصا يتحمل جهدا مضاعفا لتتحول القفزة من تسجيل رقم قياسي إلى تجربة علمية حية لاختبار تقنيات جديدة قد تستخدم لإجلاء رواد الفضاء، والملاحة الجوية وخاصة الطائرات الخارقة لجدار الصوت. وبهذا الغرض زرعت في لباس فيليكس مجموعة من الأجهزة ومنها الجهاز الضابط لفتح مظلة احتياطية أوتوماتيكيا، في حال خروج المسار عن السيطرة. انطلق أكبر منطاد هيليوم والبالغة تكلفته 200 مليون دولار من مطار روزويل وفي ولاية نيو ميكسيكو، وجلس المغامر النمساوي في كبسولة أسفل المنطاد بلغت تكلفتها 30 مليون دولار، وهو يرتدي بدلة فضاء بتكلفة 290 ألف دولار. بلغ حدود الغلاف الجوي للأرض على ارتفاع 39.045 كلم، (أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ارتفاع تحليق الطائرات المدنية) في ساعتين ونصف الساعة، ثم قفز من الكبسولة حاملا مظلته على ظهره، لتتسارع سرعته وصولا ل 1342 كيلومترا في الساعة، مخترقا بذلك سرعة الصوت1.2 مرة، وعند وصوله إلى ارتفاع 1.5 كلم عن سطح الأرض، فتح مظلته ليحط عائدا إلى المكان المخطط هبوطه فيه في صحراء ولاية نيوميكسيكو الأمريكية، بعد أربع دقائق و19 ثانية من السقوط الحر. وعاد العلماء مرة أخرى إلى معاملهم ليدرسوا نتائج التجربة باعتبار أن القفزة كانت من طبقة الستراتوسفير حيث يختلف الضغط الجوي، وكثافة الهواء عن طبقة التروبوسفير التي نعيش فيها، ما يوثر في سرعة السقوط، ووزن البدلة ونوع قماشها وشكلها وقدرتها على حماية جسد فيليكس من التجمد ودمه من الغليان وشرايينه من الانفجار، ومقاومتها للاحتكاك والاشتعال عند دخولها الطبقات الدنيا قبل وصولها إلى السقوط الحر. هذا الإنجاز البشري تم برعاية تحالف من 10 شركات وفريق من ثمانية علماء وخبراء، بجانب آلاف المهتمين بنتائج البحث ليطوروا عددا من الآلات والمعدات والخدمات في عدة مجالات مثل الكاميرات وأجهزة المراقبة والاتصالات، وبدل الفضاء والمواد المقاومة للاشتعال والمظلات ومواد تصنيع الأقمار الصناعية وغير ذلك.