لم يزد عمر الطفل على خمس سنوات. كان ينزف بشدة من ذراعه! ما الخبر؟ عرض على الوالد أداة حادة. كانت سكينة فظيعة ماضية من النوع الذي يقطع به «موكيت» المنازل. قال الوالد لقد انتقلنا حديثاً وفرشنا «الموكيت» الجميل الذي تلطخ بدم الطفل! كيف حدث ما حدث؟ أنا شخصياً أتابع حواف الحادث خارج الجانب المهني. من أين أنتم؟ أين ديرتكم؟ كيف حدث ماحدث. في الواقع الاستنطاق الطبي يتضمن التاريخ المرضي وقصة العائلة. أنا أتابع أكثر وبمتعة. أنا هنا أمام ظاهرة اجتماعية للدراسة. ومنها نبع لاينتهي لكتابة المقالات. الواقع محيط لجي من الوقائع والأحداث تمد الكاتب بنهر لاينضب من الملاحظات والمواعظ. ليس أخطر من أداة حادة بيد طفل، ولا أخطر من سياسة بيد مراهق، ولا ألعن من منافق في عمامة عالم. كانت الإصابة خطيرة جداً من عدة نواح؛ عمر الطفل. كمية النزف. حجم الشريان المصاب. ودقة الأدوات التي يجب أن تجرى بها العملية. هذه الحادثة تذكرني بالحديث وبقصة الطفلة المحروقة؛ أما الحديث فيشير إلى رفع القلم عن ثلاث أو أربع: الطفل حتى يعقل. والمجنون حتى يصحو. والنائم حتى يستيقظ. والسكران حتى يفيق. وتحت هذا المفهوم يمكن توسيع فكرة رفع القلم. في الآية من آخر سورة البقرة «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا». ربما كانت أعظم علتين أو قصورين في عقولنا هي نعمة النسيان من أحزان تلبستنا. ومن أخطاء لم ندرك نتائجها إلا متأخرة وبعد فوات الأوان.قصة الطفلة المحروقة لا أنساها حين سألت والدتها من أحرق الطفلة؟ ترددت في الإجابة. تابعت أنا .. هل الله؟ أو بما كسبتم أيديكم؟ الكثير يضطرب هنا؛ فإن قال إن الذي أحرق هو الله يشعر برهبة أن يحرق الرب الرحيم أطفالاً أبرياء، وحاشاه سبحانه، هنا لاينتبه الناس إلى قانون الله وأين دور البشر. وأين تعمل السنن الإلهية وإلى أين تقود مخالفتها؟في سورة الواقعة أربعة نماذج تفصيلية عن عمل الإنسان وعمل الله. فالإنسان يقذف المني ويشرب الماء ويحرث الأرض ويوري النار، ولكن الزرع والخلق وإنزال الماء ووضع خاصية الاحتراق في الشجر من عمل الرب الجليل. مع هذا فهو يعطينا دوراً. ولعل أعظمه أن الله (لايغيِّر مابقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم) فأرجعه لنا. وما نرى في الثورة السورية من تغيير الواقع الاجتماعي هو حصيلة تغيير ما بالنفوس. الأطفال مساكين ينظرون للآباء على أنهم كائنات كاملة والويل للخطأ في التربية إلى أين يقود؟