تُلازم الأشخاص “المشوّهين” خلقياً نظرة دونية من قِبل المجتمع، فيتعامل معهم بعضهم بحذر وخوف، وآخرون ينظرون إليهم باستعطاف واسترحام، فيما أكد اختصاصيون أن المجتمع ينظر ل”المشوّه” على أنه شاذ، وهناك آثار سلبية تترتب عليه نتيجة هذه النظرة، إلى جانب صعوبة اندماجه مع من حوله، ومكابدته الصعوبات عند بحثه عن وظيفة أو طلبه الزواج أو حتى في تكوينه علاقات اجتماعية، مشددين على ضرورة التفات وسائل الإعلام إلى هذه الفئة. حروق في وجهها وذكرت رانيا فيصل من مدينة حائل أن لها طفلة تبلغ من العمر 11 عاماً، وتعاني معها نتيجة نظرة زميلاتها القاصرة إليها في المدرسة، وتقول: “تعرضت ابنتي أحلام لحروق في المنزل، نتجت عنها إصابتها بتشوّهات في وجهها وجزء من عنقها، وأمضينا في علاجها فترة طويلة، ودفعنا مبالغ كبيرة في علاجها كي تتحسن ولا تشعر بأنها مختلفة عن أقرانها، حيث إني أعي تماماً كيف هي نظرة المجتمع للشخص المشوّه، واضطررت إلى نقلها من مدرستها لأكثر من مرة نتيجة نظرة الأطفال لها، فهي تعود في كل مرة وتسألني بكل عفوية عن سبب نفورهم منها”. تشوّه في ساقها بينما تعاني الطالبة الجامعية روان خالد (21 عاماً) من تشوّه خلقي في ساقها اليسرى، وتقول: “لا أستطيع المشي بشكل معتدل، الأمر الذي سبب لي الحرج الكبير مع من حولي، وأثّر في نفسيّتي بشكل سلبي، حيث كنت أتعرض لكثير من المضايقات في المرحلة الابتدائية من قِبل الطالبات، فيطلقن علي مسميات (معيبة)، ويسألنني عن سبب مشيتي على هذه الشاكلة، كما أني مررت بكثير من المواقف في جميع مراحلي الدراسية كان لها بالغ الأثر في نفسي، وما ساعدني على تخطي الأزمات أهلي وأمي خاصة، فكانت تقف في وجه من يُطلق علي هذه المسميات، وتدعمني معنوياً حتى استطعت أن أكتسب الثقة، وجُل ما أتمناه أن يعيننا المجتمع ويثق في قدراتنا”. نظرة شاذة من جانبه، أكد الاختصاصي الاجتماعي محمد الزنيدي أن المجتمع ينظر لمن يعانون التشوّه على أنهم “شواذ”، وكأنهم لا ينتمون لأفراد هذا المجتمع، ولا يستطيعون الانخراط في عجلة الحياة، فنجد بعضهم يتعامل معهم بحذر وخوف كأنهم أصحاب سوابق أو مجرمون، وبعضهم الآخر ينظر إليهم نظرة استرحام واستعطاف بدلاً من أن ينظر إليهم نظرة حب وتقدير، ومن الطبيعي أن تنتج عن هذه النظرة آثار سلبية في نفوس هذه الفئة، وأضاف الزنيدي “يجد الشخص (المشوّه) صعوبة في البحث عن عمل، أو تكوين علاقات اجتماعية تساعده على الانخراط في المجتمع بشكل طبيعي، كما أنه يعاني عند تقدمه للزواج، حيث أصبح الشكل الخارجي مطلباً رئيساً عند كثير من الناس”. إحباط واضطراب وبيّن الزنيدي أن نظرة المجتمع الدونية للمشوّه تزعزع ثقته في نفسه، وتسبب له الإحباطات والاضطرابات الانفعالية لا إرادياً نتيجة رفض المجتمع، وقد تتكون في نفسه انحرافات سلوكية عن المعايير الاجتماعية تؤدي به نحو الجريمة لا قدر الله، كذلك يتكون لديه اضطراب في الأداء والتكيّف مع المجتمع والاتكالية وعدم الانتماء للمجتمع، إلى جانب شعورهم بالفشل وعدم الاتزان والعجز والإحساس بالضعف والخوف من المجهول وعدم الشعور بالاطمئنان، فضلاً عن شعوره بالنقص وبأنه أقل قيمة من الشخص السليم. فئة مهملة وأوضح الزنيدي أن هذه الفئة مهملة من قِبل المجتمع نتيجة قلة التوعية بها، مشيراً إلى أهمية التفات وسائل الإعلام المرئية والمقروءة لها، مبيناً أنها من أهم طرق تغيير الصورة السلبية تجاه المشوّهين بقوتها وسيطرتها على الناس، بالإضافة إلى أهمية نشر الوعي بين أفراد المجتمع، ومحاولة دمج المشوّهين لأي سبب كان مع مجتمعهم، وإبراز ما يمكن أن يقدموه حتى يتمكنوا من القضاء على النظرة السلبية المصوبة تجاههم. وأشار إلى انعدام المؤسسات المتخصصة برعايتهم والاهتمام بشؤونهم، وقلة عرض البرامج التليفزيونية التي يمكن من خلالها نقل عزيمة شخص مشوّه نحو النجاح وتظهر مواهبهم وإبداعاتهم، فضلاً عن ضرورة تثقيف الأطفال وتوعيتهم بحال المشوّهين، فعقل الطفل عبارة عن صفحة بيضاء ينقش من خلالها الأفكار والقيم والمبادئ التي تنشأ معه خلال مراحل نموه وتبلور لديه الفكر والأسس.