جبلت هذه الدولة على تكريم أبنائها ومكافأة المحسنين منهم، وليس أدل على ذلك مما يوليه قادة هذه البلاد من عطاء لمن يجود بدمه، ويهب روحه في سبيل وطنه. فالشهداء نالوا أرفع الأوسمة، وحصلت عائلاتهم على أجزل العطايا وأوفر الرعاية، وكثيراً ما نرى أرفع المسؤولين يزورون ذوي الشهداء ويعزونهم، وتستصدر الأوامر من أجل كفالة سكنهم ورعاية أبنائهم. بل إن الدولة تتصدق لهم وتبر بهم ولا تنساهم، وهذا يحسب لهذه الدولة العظيمة، فلم أسمع أن هناك دولة فعلت مثل هذا. ولكن لنا فيما يأتي من الأيام عشم أن ينال أولئك البواسل الذين يجودون بدمائهم ويحملون أرواحهم رخيصة في سبيل وطن غالٍ، شيئاً من التكريم قبل تضحيتهم بأرواحهم. وأعني بذلك كل جندي يحمل السلاح ميدانياً في حراسة، أو يكون عرضة لمهام خطيرة، شاملاً ذلك جنود الميدان في الأمن والحراسات ومكافحة المخدرات ونقاط الحدود وخفر السواحل وقوات الطوارئ، كل أولئك، أتعشم أن يكون لهم بدلات مجزية أو سلم رواتب مختلف، فليس المرابط كالكاتب أو الإداري أو ممن يعملون في الخدمات المساندة. التكريم بعد الموت ورعاية أسر الشهداء هي بلا شك سجية عظيمة وبادرة كريمة، ولكن الرعاية قبل الممات لمن تطلب الواجب أن يكونوا على ثغور خطيرة هو تتمة ومزيد إحسان يتأمله الجندي في الدنيا قبل استشهاده، ولتكون المثوبة حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة.