تناولنا في الجزء الأول من المقال، الذي نشر الأسبوع الماضي ثلاثة سيناريوهات لمستقبل سوريا وفقا لدراسة استشرافية صدرت عن مركز الأمن الأمريكي الجديد وأعدّتها ميليسا دالتون الخبيرة في وزارة الدفاع الأمريكية والباحثة الزائرة للمركز. أمّا السيناريوهات الثلاثة السابقة فقد تناولت إمكانية مقتل الأسد تليها فترة من النزاعات والصراعات، أو سيطرة حكومة تقودها المعارضة على الحكم في البلاد من خلال مرحلة انتقالية مبرمجة، أو استمرار الصراع بين الطرفين بشكل دموي وانتهائه في النهاية لصالح المعارضة لكن بتكاليف عالية وعلى حساب سوريا والشعب السوري مع ما يرتبه ذلك من إمكانية اختراق سوريا لاحقا نظرا لضعفها لاسيما من قبل إيران. وفقا للسيناريو الرابع الذي وضعته الدراسة، الذي يعد مفاجأة في حد ذاته، فإن الأسد يستعيد السيطرة على البلاد بعد حرب طاحنة لكنه يعود بسلطة أضعف بطبيعة الحال. في هذا السيناريو تسيطر المعارضة على بعض المناطق النائية والمعزولة فقط بعد نجاح الأسد في سحق الغالبية العظمى من المعارضة عبر حملة ضارية بدعم وغطاء من روسياوإيران تتضمن قتل أعداد كبيرة من البشر عبر حملات التعذيب والسجن حتى للمتعاطفين مع المعارضة، ويزداد تدفق اللاجئين إلى الخارج وتبقى الأسلحة الكيماوية تحت سيطرة النظام رغم المخاطر الجمة، وتقوم إيران أخيرا بمضاعفة جهودها لتثبيت حكم الأسد. في هذا السيناريو، ستتأثر دول الربيع العربي بشكل سلبي، حيث من المتوقع أن تعود القوى الأتوقراطية إلى مقاومة عملية التحول الجارية مما سيصيب هذه البلدان بالشلل. كما إنّ في هذا السيناريو، ينبثق تحالف أقوى بين كل من سوريا وحزب الله وإيران، ويشجع بقاء الأسد على اتباع سياسة أكثر وقاحة في المنطقة ويجعل احتمال تعاونها فيما يتعلق ببرنامجها النووي أمرا صعبا وغير محتمل. وعليه، فان الأسد سيبقى ولكن سلطته لن تكون كما في السابق، مع عدم استبعاد وجود بعض جيوب المقاومة التي يخشى النظام من أن تعود من جديد إلى حجمها السابق، وهو ما سيدفع إيران إلى تثبيت دعائم حكمه. من المفهوم أن تكون أي دراسة استشرافية مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها الأسوأ، لكن أن يكون ذلك في إطار مركز يعرف عنه أنه مقرب من إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وأنّ له تأثيراً أيضا بغض النظر عن نسبته وحجمه، فهذا يعني أنّ موضوع احتمال عودة الأسد إلى حكم البلاد قد يكون في جدول أعمالهم، هذا نظريا على الأقل كي لا نذهب أبعد من ذلك. في المقال المقبل سنتناول السيناريو الخامس والأخير لمستقبل سوريا كما جاء في هذه الدراسة الاستشرافية.