قصة المريض (رجب) لا أنساها فقد استغرقت حوالي 14 ساعة؛ من الساعة الثامنة مساء حتى اليوم التالي في الساعة العاشرة صباحاً! لا أدري ما الذي يحرك في ذهني رحلات الطيران مع هذه القصة. نسافر ليلا من كندا فنصل صباحا في الشرق كذلك الحال مع رحلات المغرب القادمة من الغرب إلى الشرق. تنطلق مساء فينقلب الزمان فتصل في صباح اليوم التالي. أو على العكس مع رحلات كندا التي تطير فيها مع أشعة الشمس فتكسب يوما كما اكتشف ذلك ماجلان يوما في دورته حول الأرض. حالات الإصابة في الركبة فظيعة وتأتي في الغالب خليط من هرس وكسر وتحطيم وتقطيع فلا يبقى عظم ولاوتر ولاوريد ولاشريان ولاعضل.يقسِّم جراحو الأوعية مناطق إصابة الركبة إلى ثلاثة مقاطع يسمونها سيجمنت (Segment) أفظعها السفلي الثالث إذا فشل الجراح معها في الإصلاح ترجمت عمليا إلى قطع الطرف وغالبا ببتر الساق فوق الركبة. وهو قرار كريه. أذكر صديقي الدكتور أحمد كيف دخلنا سوية في حالة أخذت معنا في مجموعها 18 ساعة مقسمة على ثلاث عمليات ولكننا فزنا بإنقاذ الطرف. وليس كل عملياتنا انتصارات بل أحيانا هزائم وهزائم منكرة. صديقي الدكتور غازي في الجنوب حيث يعمل في جازان سنحت لي فرصة لزيارته والتعرف عليه؛ أعتبره جبارا من جبابرة جرّاحي الأوعية الدموية، حين ذكر لي أنه ينهي هذا اللون من الإصابات في أقل من ساعتين ذهلت!! قال لا تتعجب هو المران!! قلت له كم عدد الحالات التي مرت عليك؟ قال في ثماني سنوات عملت أكثر من 158 حالة موثقة! قلت له ربما أنا لم أصل إلى هذا الرقم في كل رحلة عملي الطبية. هناك طبعا كثير من الأطباء لا يعترفون ولا يسلمون ونقول عنهم (يبيضون) كثيرا! بمعنى الكذب! فالطبيب يبقى إنسانا قد يكون نبيلا وقد يكون سقيما. نعم عملت كثيراً وكثيراً ولكن لا أظن أنني تجاوزت رقمه. أعترف أن رقمه ريكورد قياسي ((Record قلت له يجب أن تنشر هذا العمل في المراجع الطبية حتى يستفيد منها الزملاء. قرأت كتابا بعنوان الجراحات الكبرى باللغة الألمانية لشيخ جراحي الأوعية الدموية الفرنساوي (ليريش Leriche) سجل فيها خبرته الواسعة في التعامل مع أمراض وإصابات الأوعية الدموية. لقد أصبح هذا الفن قسما قائما بذاته يتطلب التخصص بعد الرحلة الطويلة في تخصص الجراحة العامة. أنا شخصيا سبحت في الاختصاصين في ألمانيا تسع سنين عددا، وفي المملكة مارست الفنين منذ عام 1983م حتى ودعت الجراحة العامة واستقليت بالأوعية منذ حوالي 22 عاما. إن فن جراحة الأوعية الدموية ممتع راق لذيذ جمالي يحتاج إلى روح خاصة. مع مريضنا رجب كانت قصة من أعجب القصص التي مرت معي ولكننا أنقذنا طرف المريض وكان مهددا بالبتر. في اللحظة التي ينتهي جراح الأوعية من عمله ويرى النتائج الفورية بسماع صوت الأوعية وهي تعزف السيمفونية بجهاز الدوبلر (Doppler) ينسى تعبه ويمسح عرقه ويحمد المنان على ما أكرم وأعان.