يختلف عادل إمام عن أحمد زكي في أن الأخير صنع أسطورته من إصراره على أن يقدم في كل مرة شخصية تختلف شكلا وموضوعا عن سابقتها، وقد يكون الوحيد في تاريخ السينما الذي جسد دور الضابط بطريقتين مختلفتين.. أحمد زكي هو قطعة صلصال يتم تشكيلها في كل مرة على هيئة مختلفة. بينما عادل إمام يشبه «كرة» لا تتغير خواصها وصالحة لألعاب متنوعة. إن نجاح عادل إمام في أدواره الأولى أغراه -حتى يواصل التفوق- بتقليد عادل إمام(!).. ولكنه لم ينس أن يطور من أدواته الشخصية -بحذر وبطء- وهو لا يمل ( ولا الجمهور) من تكرار صورته الواحدة وأسلوبه المحفوظ؛ فنظرته إن أضحكت الناس مرة فهو يعيد إنتاجها في كل الأعمال التالية، وحركة التعبير التي يستحسنها المشاهد في فيلم تصير «لزمة» يتم الاستعانة بها في الفيلم التالي.. وهكذا.. ولو كان عادل إمام شاعرا فسيكون نزار قباني، فكلاهما قدم للجمهور مدرسة استثنائية؛ المدرس والتلميذ فيها شخص واحد.. مدرسة لا تفتح أبوابها لتلاميذ جدد ولا تسمح لمدرس آخر أن يزايد عليها بعلمه.. وتتميز في أنها لا تخرج أجيالا ولكن تنتج أعمالا رغم تشابه خطابها الفني فهي مهمومة بمواكبة العصر باقتحامها لموضوعات مبتكرة تعالج قضايا آنية.اختار النجاح عادل إمام بنفس الرغبة التي اختار فيها عادل إمام النجاح، ومنح كل طرف منهما الثقة للآخر، وكانت النتيجة هي أنه أصبح «الزعيم» الذي يتهافت الملايين على رؤيته وتعظيم حركاته وسكناته. اهتم الزعيم في أعماله بمشكلات البسطاء وانحاز للشعب ضد السلطة فكان نافذة الخيال في وقت ضاق فيه الناس -في مصر- بالواقع، وأحب الناس عادل إمام الممثل لأنه لم يكذب عليهم في فنه، واستطاع أن يظهر معاناتهم ويطالب -نيابة عنهم- بحقوقهم.. وأمام اختبار الفن فإن المركز الأول محجوز للزعيم بشهادة الجمهور، لكن أن يتصور عادل إمام أنه قادر على الوصول إلى نفس المرتبة في عالم السياسة فهذه مسألة تحتاج لقدرات ( ربما توافرت في يوسف شاهين ومن على شاكلته) لا توجد في شخص قرر أن يجمع بين النجومية والمال والتقرب إلى السلطة (أيا كانت السلطة) وعلى عادل إمام الممثل أن ينصح عادل الإمام الإنسان ألا يقترب من جديد من فخ السياسة، ويمتنع عن إبداء آراء (قد) تعيد إلى الأذهان ما كان يتفوه به من كلام ناصر به النظام السابق ولم يربح منه سوى اللوم، أما مصافحته الأخيرة للمرشد العام للإخوان المسلمين في احتفال السفارة السعودية باليوم الوطني الثاني والثمانين للمملكة في القاهرة، فعليها ألا تتطور إلى عناق بينه وبين الجماعة، ويكتفي بهذا القدر من الحوار القصير الذي أثنى فيه الدكتور بديع عليه ووصفه بالنجم والزعيم.. وحتى يأخذ بالنصيحة فعليه أولا أن يؤمن أنه غير موهوب في السياسة. آخر سطر: مثل حوت خرج من نهر والهواء يملأ صدره، وطفل وقع في اليم يتدفق الماء إلى رئتيه .. كلاهما يتمنى ما يرفضه الآخر!