عاش سعيد صالح إبراهيم في حي السيدة زينب في القاهرة، وهو من أكثر الأحياء شعبية. تفتحت عيناه على الحارة والزقاق، وكان والده أزهرياً يعمل في شركة الغاز. عاش حياة متوسطة المستوى، كان والده يملك قدرة كبيرة على تقليد الأهل والأقارب ويرسمها في شكل كاريكاتيري ساخر تثير الضحكات لدى أفراد الأسرة، فتكونت الكوميديا لدى سعيد صالح. يعد صالح أحد النجوم البارزين في المسرح المصري وفي مسيرة الكوميديا في العالم العربي. عاش تجارب صعبة في حياته ودخل السجن أكثر من مرة، وكثيرون لا يعرفون عنه أنه ملحن بارع لمعظم دواوين صلاح جاهين وبيرم التونسي وغيرهما. فهو الضاحك الباكي في آن. اكتشفه في المدرسة الفنان حسن يوسف الذي جاء ليعمل مدرساً للتمثيل، بعد ان بدأت علاقته بالفن عندما ذهب للمرة الأولى إلى الأوبرا، ووبخه والده ظناً منه أن ما فعله ترف مجنون. هو من مواليد 31 تموز (يوليو) 1940 وتخرج مع عادل إمام من كلية الزراعة وتجمعه به صداقة نادرة إلى جانب ثالثهما صلاح السعدني. دخل مسرح التلفزيون عندما حصل على الترتيب الأول من بين المتقدمين ال 800، وكان عمره في ذلك الوقت 19 عاماً، وبدأ حياته بدور صغير في مسرحية «الطريق المسدود» من إخراج نور الدمرداش، ثم أسندت إليه بطولة مسرحية «111 كفر أبو مجاهد» في دور الخفير مبروك، ولعب بعد ذلك دور الفلاح مرسي في مسرحية «قلوب خالية». ترك صالح مسرح التلفزيون بعد فصله بسبب عدم حيازته شهادة الخدمة العسكرية، وانضم إلى فرقة مسرح تحية كاريوكا وقدم دور فرماوي في مسرحية «حارة الشرفا»، ومثّل دور نحلة النادل في مسرحية «روج الفرج» من إخراج حسين كمال، ومنها رشّحه الى العمل معه في تمثيلية «المعطف» التي كانت أول عمل سيصوره للتلفزيون، ولكن اختلف معه وتم إسناد الدور لممثل آخر. وعلى رغم أنه كان في بداياته، إلا أنه تقدم نحو المسرح العالمي عندما قدّم دور ساكريل في مسرحية موليير الشهيرة «المتحذلقات» ليرتفع الخط البياني الضاحك عند فنان الكوميديا سعيد صالح ويضع قدماه على بداية طريق الشهرة والنجومية والأضواء، خصوصاً بعدما انتقل إلى فرقة المتحدين عندما كان يبحث عنه سمير خفاجي، واشترك مع الفرقة التي كانت تضم فطاحل الكوميديا في مسرحية «البيجاما الحمراء». ترك الفرقة بعد عام واحد لينضم بعد ذلك إلى فرقة استعراضية على مدى ثلاث سنوات. كان يرقص ويغني ويمثل، وقدم مع الفرقة «الحرافيش» و «القاهرة في ألف عام». وخرج من هذه التجربة بأن الضحك من خلال شخصية مرسومة أسهل وأكثر إمتاعاً من مجرد المناوشات الكلامية والتراشق بالألفاظ والكلمات. مدرسة المشاغبين عاد صالح مرة أخرى لفرقة «المتحدين» وانضم إليها وهي في ثوبها الشبابي الجديد إلى جانب محمد صبحي ويونس شلبي وعادل إمام، وقدموا مسرحيات فشلت فشلاً ذريعاً مثل «سري جداً» و«حصة قبل النوم»، ثم بعد ذلك مسرحية «هاللو شلبي» التي أعادت إليه مكانته المفقودة وجذبت الأنظار مرة أخرى إلى اسم سعيد صالح الكوميدي. ثم ما لبث أن عاد يجر أذيال الهزيمة والفشل في مسرحية «مخبر سري»، التي أصابته بصدمة شديدة. وفي الوقت الذي كان يجهز اوراقه للهجرة إلى أميركا، كان يجري بروفات مسرحية «مدرسة المشاغبين» أنجح مسرحية قدمها المسرح المصري حتى الآن. تلك المسرحية التي صعدت بنجومها إلى الشهرة، خصوصا أحمد زكي وعادل إمام. وكان من أسرار نجاح «مدرسة المشاغبين «روح الفريق» التي كانت تسيطر على مجموعة من الشباب أرادوا أن تكون لهم بصمة، وأن يكون لهم وجود في الوسط الفني، إلا أن دور مرسي الزناتي الذي قدمه سعيد صالح سيظل الدور الأشهر في تاريخه الفني حتى الآن. في حياة سعيد صالح نقاط مضيئة استطاع أن يخطف الأنظار من خلالها، ومن تلك النقاط مسرحيته الجريئة التي شاهدناها على مسرح الثمانينات «كعبلون»، التي أخرجها عميد مخرجي المسرح العربي حسن عبد السلام. أظهرت المسرحية الفنان المصري بشكل مختلف وشخصية فنية مختلفة ومتطورة، فقد كانت الضحكة أداة للتحدي والسخرية، كانت ضحكات مغموسة في قالب سياسي جريء شهدت على شعبية الممثل وفريق عمله. لقد كانت تجربة عميقة لاكتشاف معنى النجاح في حياة الفنان. إنه حالة إبداعية شديدة التميز، فهو الذي لحن بنفسه دواوين كاملة لبيرم التونسي الذي قدم له مسرحية في سرادقات حديقة الخالدين، وقدم للمسرح المصري مسرحية «قاعدين ليه» ليهاجم بجرأة شديدة أميركا وسياساتها. يرى صالح أن الكوميديا وجهة نظر تختلف من فنان إلى آخر، ومن الصعب تحديد مفهوم واحد لها، ومن وجهة نظره شخصياً كان يراها كلمة لطيفة ولذيذة تحمل معنى جميلاً لحل مشاكل الناس والتعبير عن همومهم ومعاناتهم، وفي الوقت نفسه ترسم البسمة على شفاهم وترسم صورة جميلة للمستقبل من دون تجريح أو إسفاف. ويوضح أن الكوميدي أشبه بطائرة الإنذار المبكر التي تستشعر الأخطاء والعيوب وتقدمها مغلفة للناس في محاولة لتخفيف الأعباء وعرض المشاكل. ورغم أنه كان يرى أن المسرح بطولة جماعية ومن الصعب أن يقف فنان مسرحي ثلاث ساعات على خشبة المسرح لينفرد بالبطولة المطلقة، إلا أنه فعلها في مسرحية «لعبة اسمها الفلوس» مع الراحلة مديحة كامل. ولصالح رحلة طويلة مع السينما، ومن أشهر الشخصيات السينمائية التي قدمها شخصية الشيخ سيد الصفتي في فيلم «بمبة كشر» مع نادية الجندي، اذ أعطاه هذا الدور انتشاراً أكبرلدى الجماهير، والسينما من وجهة نظره أوسع انتشاراً من المسرح، وهو الذي يعترف بأنه مثّل 300 فيلم ولم يقدم من بينها سوى 5 أفلام على مستوى جيد، مثل «سلام يا صاحبي» مع زميل رحلة الكفاح عادل إمام، وقدم 30 مسرحية صنعت تاريخه ومشواره الفني. يقول سعيد صالح أن المسرح مسرح، ولا يوجد مسرح سياسي وآخر اجتماعي. يمكن من خلال المسرح أن تقول كل شيء، «لأن معالجة الأمور الاجتماعية، مثل الفقر والجهل والمرض والبطالة، كل هذه الأشياء عندما أتحدث فيها هي سياسة، ومن وجهة نظري لا بد أن يكون للفنان موقف، وأن ترتبط أعماله بالناس، ولكن ليس بالضرورة أن يكون زعيماً سياسياً». br / ويضيف أنه لم يلتزم بالنص المعدّ سلفاً، «من حقي الموافقة على العرض لكن ليس شرطاً أن ألتزم بالمعالجة الدرامية للعرض المقدم لي، لأن المعِدِّين في النهاية ليسوا مؤلفين للعرض. وأنا حسب خبرتي وتجربتي المسرحية الطويلة أعرف جيداً ما الذي أريد أن أقدمه لجمهوري على خشبة المسرح، في إشارة منه لتبرير عمليات خروجه عن النص بجرأة شديدة أدخلَتْه السجن أكثر من مرة». سعيد صالح الذي لحن لنفسه في مسرحية «قاعدين ليه» أيضاً، يقول: «ما الذي يمنع أن ألحن لنفسي وأنا أفعل ذلك في مسرحياتي من 30 عاماً. فقد لحنت لنفسي في مسرحيات كثيرة، مثل «كعبلون» و «حلو الكلام». ويضيف: «الفن أعطاني الكثير من الشهرة والنجومية والمال، ولم يأخذ مني شيئاً سوى بعض الوقت والجهد. وكلما أعطيت الفن أعطاك».