ربما أن مكافحة الجراد الصحراوي قد أتت ثمارها بالحدّ من تكاثره، ولأعود بكم إلى أيام الطفولة عندما كنا نرى أسراب الجراد فتتهلل وجوهنا بِشْرَاً وفرحاً ب»غذاء طائر» يمكننا من سدِّ جوعنا -نحن أطفال القرى الذين نمتهن رعي الماشية- ويمكننا من سد نقص بعض الفيتامينات والأملاح بأجسامنا المحروقة بفعل حرارة الشمس والهزيلة بسبب قلة الراحة والرفاه! كان الجراد يومها هبةً فننشغل باصطياده من بين أشجار «السلام» و»السمر» غير عابئين بالأشواك التي ترسم في أيادينا خرائط شتى، فكنا نجمع عدداً لا بأس به من تلك «الفرائس» التي تقع تحت أيدينا، وبعد رحلة الصيد تلك نقوم بإعدامها بصورة جماعية بأن نمسك رأس الجرادة ثم نسحبه فننظف الجرادة ذاتياً بخروج أمعائها دون الحاجة لغسلها بالماء أو نقعها في عصير الليمون أو تتبيلها بالبهارات، فنأخذ عوداً رهيفاً نسميه «مشكاع» فندخل فيه أجساد تلك «الجرادات» ونصفّها بالعود جنباً إلى جنب -العمل شبيه بأسياخ الكباب!- ثم نوقد النار مما يتيسر من أخشاب ونستمر في تقليب «الذبائح» حتى تستوي في رحلة الشواء فنأكلها! ما جعلني «أنكش» ذكريات الطفولة هذه أن عشرات القرى الخصبة لم يعد مسموحاً لنا دخولها بعد الأحداث الأمنية بالحد الجنوبي على الرغم من بعدها عن الحدود كثيراً! وقد أعزّي طفولتي ونفسي بهذا المقال! فمن يسلّي طفلة اغرورقت عيناها بالدموع اشتياقاً لبيتها وذكرياتها؟!