عندنا في السعودية قضية، غير عادية، طُرح فيها السؤال، وطال الجدال، وكثر فيها القيل والقال، وهي هل تقود المرأة السيارة، وتخرج بها ديّارة، فصار الناس فريقين يختصمون، والباقي يتفرّجون، فمن قائل بالتحريم، لحظر الحريم، وفتنة كل ريم، ولا يقبلها كريم، كيف تجلس خلف المقود بحجابها، وتمسك «الدركسون» بجلبابها، وتلف القير باليمين، وتضغط بالقدم على البنزين، وتحرّك المسّاحات بالأنامل، وتدوس على الفرامل، أين الستر والعفاف؟ والبعد عن الاستشراف، والسلامة من الأرجاف، والمرأة السعودية لا تُقاس بغيرها من النساء، ولا تشبه الحصباء بالجوزاء، أما تعلم أن السعودية أبهى من الشمس في ضحاها، وأجمل من القمر إذا تلاها وأحسن من النهار إذا جلاها، فسبحان من زين عيونها بالدعج، وأسنانها بالفلج، فلو ساقت بهذا الجمال السّيارة، وسارت بها في الحارة، لفتنت الناظرين، وسحرت المشاهدين، فالسلامة أن لا تقود، وخير من الدوران القعود، وعارضهم أقوام، أهل أقلام، فقالوا: كيف تمنع المرأة من القيادة يا سادة، وهذه ليست عبادة، بل عادة، أما ركبت الخيل والبغال والحمير، من غير نكير، فكانت تقطع الآفاق، وتهبط الأسواق، فما الفرق بين الكدلك، والجمل المحنك، وما البون بين الفورد والقعود، والبنز السريع، والفرس البديع، كلها وسائل، والكل ناقل، ومحصولها تحصيل حاصل، فدعوها تقود المركبة، بلا مغضبة، ولا مشغبة، أليس الأحسن أن تقود بمفردها، وتمسك سيارتها بمقودها، من أن يخلو بها سائق هندي، أو تجلس وحدها مع سندي، فأين الوجل، من حيث: خلوة المرأة بالرجل، ثم إنه يكلّفها المرتب، وربما يغضب السائق فيهرب، وربما تضطر في الليل البهيم، لإيصال سقيم، أو علاج فطيم، فتذهب مع السائق الغريب، في وقت مريب، إلى المشفى، والليل قد غفا، وهذا مخل ديناً وعُرفا، ثم إنّ السائق يكلفها الراتب، وربما ضعف المطلوب والطالب، فما كل امرأة دخلها مريح، مع أنه على الصحيح والقول الرجيح، غالب النساء بلا وظيفة، ولا تملك قطيفة، مع أن العمالة، لهم كلفة ودالة، ومؤنة وثقالة، مع سلوك ضلالة، وأخلاق جهالة، مع رزالة ونذالة، فمنهم البوذي المؤذي، ومنهم أتباع الزرادشتية، وتلامذة المانويّة، وأنصار المزدكيّة، غير الزكيّة، وكلها تخالف العقيدة الإسلامية، مع فضول نظر السائق، وتلفته وهو رائق، وهذا أعظم عائق، ثم إنه يحتاج إلى سكن ولو حجرة، بأجرة، وشرب وأكل، وربما أحضر الأهل، فدعوها تسوق، واطرحوا كل ما يعوق، وتوسط فريق، ونادوا تعالوا إلى أعدل طريق، فخير الأمور الوسط، بلا وكس ولا شطط، فقالوا: لا بأس أن تقود الناقلة، إذا كانت عاقلة، وأن تعود لبيتها في ساعة مبكرة، مغلقة زجاج سيارتها ومسكّرة، ولا تخرج لغير حاجة، فلا خير في الخرّاجة الولاّجة، وأن تراعي آداب الإسلام، مع المحافظة على الذوق العام، وأن تعدل سيرها، ولا تزاحم غيرها، وأن لا تكثر البواري، وأن تراعي المطبات والسواري. بعد رخصة قيادة، وبطاقة وشهادة، وأن تكون المرأة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، لأن الصغيرة متهوّرة، والعجوز متدهورة، فرد عليهم الفريق الممانع، وقالوا هذا خلاف هدي الشارع، في نزول المرأة بسيارتها إلى الشارع، مع وجود معشر، وهذا موقف أقشر، والشر لا يُنشر، أما تقف عند محطة البنزين، مع كل حفيف ورزين، والناس حولها عزين، ماذا تفعل عند حادث المرور، وكل عين في محاجرها تدور، كيف تكلم الشرطي، وهو بشر يخطئ، فرد عليهم أصحاب الجواز، وقالوا: هذا إعجاز، وضد الإنجاز، أما كانت المرأة تركب الناقة، والركب بالساقة، فتنيخها عند الغدير، بين الجمع الكثير، والجم الغفير، بلا خفير ولا نكير، وقد قادت السيارة مسلمات مؤمنات متحجبات مؤدّبات في سائر القارّات، فما حصل خطأ ولا خلل، ولا غلط ولا زلل، فكم من امرأة عفيفة، وحصان شريفة، جلست في الغمارة، كأنها بلقيس في الإمارة، وقعدت خلف الدركسون، كأنها ميسون، ومن تركب الحمار، تستطيع أن تركب القطار، وكم من تقية حركت المكينة، وعليها السكينة، في عقل الخنساء وأدب سكينة، ثم إنها توصل أطفالها، وتفسّح عيالها، وتريح رجّالها وتنهي أشغالها، وبهذا تقضي على العمالة السائبة، والطبقة الهاربة، ويعود خيرنا لرفيقنا، وزادنا لصديقنا وسمننا في دقيقنا.