لاشك أن للعلم أهمية كبيرة وميّزة خاصة لدى العقلاء من الناس، ووصف العالم ينطبق على كل من ملك العلم، وفي أي فن من فنون الحياة، وسواء كان ذلك الشخص مسلما أم غير مسلم، صالحا كان أم طالحا، غنيا كان أم فقيرا، وتزداد أهمية العالم بزيادة أهمية العلم الذي يحمله، فكلما كانت حاجة الناس إلى ذلك العلم شديدة كان اهتمامهم به أكبر وأكثر، ومن غير منازع أن العلوم التي تخدم البشرية وتساهم في تقدمها وازدهارها لها أولوية كبيرة وخاصة في هذا العصر، فتنفق الدول المليارات من الدولارات من أجل الاستكشافات العلمية الحديثة سواء كانت في الغوص في أعماق البحار والمحيطات، أو غزو الكواكب والمجرات.وبسبب كثرة الاستكشافات وأهميتها وندرتها غفل الناس عن أشرف هذه العلوم وأجلها وأرفعها قدرا ومنزلة، ألا وهو علم الشرع الحنيف، هذا العلم الذي يعود نفعه على البشرية كلها، بخير الدنيا وأمنها وازدهارها، ويضمن لهم خلودا أبديا في جنات لم تسمع الآذان مثلها ولم تبصر الأعين مثلها ولم يخطر على قلب أحد أبدا، وهذا بخلاف العلوم الأخرى التي قد يرجع نفعها على الدنيا وحدها، ولهذا أكّد الله تعالى على العلم وأثنى على العلماء، فقال تعالى [يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] المجادلة 11، ثم بين النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم لنا أهمية العلم ودوره في حياة الناس، بل جعل وجود العلماء بيننا سببا للأمن والاستقرار ونشر العدل والمساواة بين الخلق، وكما أخبرنا نبينا الكريم في هذا الحديث الصحيح [إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ] رواه الشيخان ، فإذا غاب العلماء انحرف الناس عن جادة الحق والصواب ، وسادهم الجهل والخذلان ، بسبب تصدر الجهلاء من الناس لإدارة أمور الخلق، الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية …إلخ فتجني الشعوب الكوارث الجسيمة والويلات العظيمة ، بتصدر هؤلاء الجهلاء وأخذهم المناصب الرفيعة في الدولة والمجتمع ، وكان الأجدر بهم أن يجلسوا في نهاية البساط فهو حقهم ومستحقهم ، ومن غير إفراط أو تفريط ، ولأن التصدر يحتاج إلى قيادة تجمع بين العلم الشرعي والعقل الواعي ؛ لأن الكلام بلا علم جهل ، والجاهل يفسد أكثر مما يصلح ؛ ولأن الكلام بلا عقل يؤدي إلى الاندفاع الجارف الذي تستولي عليه العاطفة، وإذا لم توزن العاطفة بميزان الشرع و العقل فإنها ستصير عاصفة تضر وهي وإن نجحت في إثارة الهمم والنشاط والإقبال في وقت ما، فإنها قد تكون العاقبة وخيمة، فنار السعف لا شك أنها تشتعل بقوة وتضيء ما حولها لكن سرعان ما تخمد، أما نار الجمر فإنها تبقى ويحصل بها المقصود كثيراً؛ لأنها تنضج وتدفئ على وجه متأن ليس فيه ضرر.