الإنسان العربي في قرارة نفسه يعتقد كما بقية الفصائل الحيوانية العليا بأنه يعيش حياته اليومية وتفاعلاته مع الآخرين وفي أفكاره وفي تقييمه لذاته وفي مجمل تعاملاته كلها بطريقة مثالية جدا وبشخصية مثالية جدا أيضا. هذه الرؤية في طريقة ممارسة الحياة اليومية والتقاطع مع الآخرين من خلالها، بكل ما تشمله هذه الرؤية من تعظيم للذات وتقزيم للآخر المختلف – بغض النظر عن كيفية وماهية صيغة هذا التقزيم ومدى عمق أو ضحالة رؤية المجموعة له – يبقى بكافة صوره نوع من الشعور التفاعلي الإنساني الذي هو بالتأكيد حق من حقوق هذا الإنسان العربي كما بقية البشر الذين يعيشون حياتهم بذات المنطلقات من تقدير لطريقة الحياة التي يعيشونها هم دونا عن غيرهم من البشر على تباين واختلاف صيغ وطرائق هذه الحياة التي يعيشونها. فكل منظومة بشرية لكي تعيش في حالة سلام مع ذاتها – أولا – بالشكل الذي يدفعها نحو الحماس لإنتاج شيء مختلف – ثانيا- لابتكار صيغ مقبولة من طرائق الحياة، لا بد أن تعتقد أنها الجماعة الأقدر في رؤية الحياة بكافها جوانبها ورؤاها الفكرية والمعيشية، وبالتالي هي الأفضل في خلق طرائق وقوانين معيشية تماشي أفضل ما يمكن أن يتطلبه الفهم الصحيح لهذه الحياة. ومن خلال زاوية هذا التباين في الرؤية وجدت على سطح هذه الأرض عديدا من طرائق المعيشة الاجتماعية والدينية التي أوجدت بدورها عديدا من الثقافات العامة التي خلقت هي بدورها شخصيات يمكننا تعميمها بأنها عامة من خلال نقاط التشابه العديدة والعديدة جدا التي يلتقي فيها أفراد مجموعة ما أو مجتمع ما أو أمة ما عن غيرها. بهذه الكيفية من الأبعاد التاريخية ذات العمق الاجتماعي والجغرافي والديني والثقافي الخاص ولدت الشخصية العربية كواحدة من الشخصيات أو الصيغ الفريدة بموروثها وفي رؤاها وفي طرائق عيشها وتقييمها للأمور وللأفكار، كما هو الحال مع بقية الشخصيات التي أفرزت في مناطق أخرى من العالم بحسب موروثاتها وعوامل تكوينها هي الأخرى. في مقابل هذه الكيفية وكتداعيات طبيعية وجدت تيارات فكرية متباينة لتقييم وتحليل هذه الشخصية. فمنها – وهو الغالبية العظمى من العرب – من يؤمن بحقيقة مدى مثالية الشخصية العربية على الرغم من كل إثباتات الواقع المتخلف للمجتمع العربي بشكله العام وفي الكيفية التي تعيش فيها وترى من خلالها الشخصية العربية لواقعها، بالشكل الذي يجد فيه كل مؤمن لهذا الفكر بأن كل حالة متردية تعيشها هذه الشخصية هي نتاج لمؤامرة خارجية تصاغ من منظومة اجتماعية أخرى مناهضة لها. بمعنى أن كل الأخطاء التي نعيشها في حياتنا اليومية العربية هي نتاج لمؤامرات خارجية تحاول إحباط مثالية شخصياتنا. فهل نحن بالفعل شخصيات مثالية، وأن متاعبنا اليومية وضبابية علاقتنا مع بعضنا البعض وفي تقييمنا لذواتنا هي مجرد تداعيات لمؤامرات خارجية أم هي نتاج لصراع أو تباين حقيقي نعيشه في قرارة أنفسنا. برأي الشخصي وبحسب المثل العربي القديم والشهير «ما حك جلدك مثل ظفرك» إن أفضل من يستطيع تقييم أنفسنا نحن. نحن العامة من البشر من خلال مشاعرنا وتقاطعاتنا اليومية وليس من خلال نخبنا المثقفة المزورة. ولنبدأ من خلال مشاعرنا وعاطفتنا ورومانسيتنا التي لطالما ادعينا علوها على المجتمعات الأخرى، فنحن نختلف برأينا عن المجتمع الغربي البارد في مشاعره كما نراها، أو في الآسيوي الذي لطالما رأيناه مجرد آلة جماعية بلا عواطف بشرية، فهل مشاعرنا المتدفقة حقيقية ونبيلة وطاهرة كما نراها؟. هل نحن بالفعل نحب ونكرم ونقدر ونحترم الآخر بتجرد؟ هل أنانيتنا ليست متداخلة مع كرمنا و رومانسيتنا التي ندعيها؟. برأيي هناك كثير من التداخل إلى درجة محبطة جدا للظاهرة التي ندعيها. فلنأخذ مجمل ادعاءاتنا كلا على حدة ولنعيد تقييمها. أولها بالتأكيد هو أننا نحن العرب من أكثر الشعوب على الأرض استخداما لمصطلح الحب وإعادة تكراره كمصطلح ندعي بأننا نمارسه كسلوك مع الجميع. فهل استخدام هذا المصطلح بريء بهذه الكيفية؟ لا أظن ذلك أبدا واعذرني عزيزي القاريء على رؤيتي هذه. فحب الآخر الخارج عن النفس البشرية هو بحد ذاته شعور معقد وبالغ التداخل، فكيف سيكون الحال إن أتت ذات هلامية تحمل كثيرا من التعقيدات والتركيبات المتناقضة في داخلها وبالمقابل تمارس مثل هذا الشعور!. بهذه الكيفية سيكون برأيي أن هناك إشكالية ستولد هنا لا تعود في مجملها لكون الحب الروحي والفكري شعورا معقدا بحد ذاته فقط – على الرغم من تعقيده بالطبع – ولكنها تعود لكون مفاهيم الذات لدى الإنسان العربي ضبابية ومتداخلة يتوازى فيها حب الشخص لنفسه وحبه للطرف الآخر، كما سأحاول تفصيله في المقال القادم.