لو حدث واتفقت أنت وأسرتك على أن المنزل الذي تعيشون فيه سواء كان هذا المنزل فيلا فاخرة أو خيمة أو بيت شعر أو أياً كان، هو المكان المثالي والبالغ الكمال للسكنى البشرية. هل تتوقع أنك ستكون قادرا على رؤية منازل الآخرين والتمعن فيها، ومن ثم اكتساب الجوانب الأفضل منها، ووضعه في منزلك ليرتقي بشكل أفضل مما هو عليه؟. بالتأكيد لن تفعل ذلك، ولن تكون قادرا على فعله، لو كنت فعلا مقتنعا بكمال منزلك. ما يحدث حقيقة هو أنك وكافة المحيطين بك لن تكونوا راضين أبدا عن كمال ومثالية، لا المنزل فقط، ولكن كافة الجوانب والمكتسبات المادية، التي تحصلون عليها، أو تصلون لها من خلال حياتكم، لكنكم في المقابل راضون تمام الرضا، وقد تكونون متعصبين لرضاكم هذا عن غالبية أفكاركم ورؤاكم ووجهات نظركم حول طرائق الحياة، التي تمارسون من خلالها حياتكم اليومية، وتقاطعاتكم مع أفكار ورؤى ووجهات النظر والطرق التي يعيش من خلالها غيركم من البشر، بالشكل الذي يجعلكم غير راغبين أو غير مهيئين لاكتساب أو حتى التفكير في اكتساب طريقة تفكير أو رأي أو وجهة نظر قد تكون جديدة منهم، ومن ثم تبنيها و ممارسة التفكير والحياة من خلالها. هذا الانتماء غير السوي لمنظومة الأفكار وطرائق التفكير والعيش التي نمارس من خلالها الحياة قد تصل في بعض مراحلها إلى نوع من التعصب الشديد، الذي قد يجعلها بشيء هو أقرب ما يكون لتقوقع حولها، الذي يخلق نوعا من الانغلاق والتمحور حول الذات، الذي يدفع إلى تغييب المجتمع وبالتالي تخلفه عن بقية المجتمعات البشرية المحيطة دون أن يشعر هذا المجتمع بمدى هذا التخلف الذي وصل إليه، لكونه مشغولا بالدوران حول ذاته والغرق في مشاكله الجزئية والشكلية والبسيطة. إن التعصب للرأي والتشدّد فيه سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، ما هو إلا مؤشر علمي، اجتماعي على الجمود الذي يخلق التخلف على المدى غير الطويل نسبيا. إن التعصب للرأي وعدم القدرة على التعايش مع الاختلاف داخل المنظومات والتجمعات البشرية التي جبل أفرادها بفطرتهم على الاختلاف والتنوع هو ظاهرة تكاد تكون حالة عربية عامة ليست مقصورة على مجتمع عربي بعينه كالسعودية مثلا وإن اختلفت نسبتها من مجتمع عربي لآخر بحسب الموروث الاجتماعي والسياسي والجغرافي أيضا. فالثقافة العربية برمتها لا تزال أحادية وصدامية في كثير من جوانبها، لذلك نرى التطرف والتشدد يكاد يكون صفة شبه ملازمة لها وبكافة الصيغ الفكرية المعروضة وعلى تباينها واختلافها. برأيي أن مثل هذه الإفرازات الثقافية والفكرية والسلوكية لا يمكن تفتيتها بسهولة ولا يمكن إيجاد حلول سحرية قادرة على القضاء عليها. فهي تداعيات لموروث ثقافي واجتماعي يحتاج إلى مراحل زمنية وتدرّج فكري وثقافي ومعيشي حتى يتلاشى، مع ذلك فأعتقد أن مجتمعنا العربي في خضم هذه الصراعات الفكرية التي يعيشها وفي ظل هذا الحراك المفاجئ الذي بدأ في التدافع فيه وأنه وفي خضم هذا التسارع الاجتماعي والثقافي الذي يمر به، قادر على التخلص من هذه التركة بأسرع مما يظن علماء التاريخ والاجتماع والسياسة والأنثروبولوجيا. يجب أن نعيد النظر في مفهومنا العربي للعلاقات الإنسانية. يجب أن نعيد تقييم مفاهيمنا لها وفي رؤيتنا لتشكيل التحالفات وفض النزاعات من خلالها. أن نعيد تسمية ووصف صراع الأفكار ووجهات النظر بالنزاع. هذه العلاقات لا تزال تبنى مع الأسف على مبدأ أساسي وثابت وهو التشابه المطلق أو الابتعاد المطلق. هذا التقييم العقيم للاختلاف هو سلوك فكري ممتد من العصر الجاهلي إلى صفحات العالم الافتراضي. ولذلك نلاحظ أن كل جدل حول مفهوم أو سلوك أو حتى أدنى من ذلك، يؤدي بالطرف العربي إلى الدخول في حرب شخصية حقيقية مع الآخر الذي يختلف معه. في حين أنه وفي أماكن أخرى غير عالمنا العربي، يقاس ثراء المنظومات البشرية بمدى حدة الاختلافات والجدل والتباين الذي يتوزع بين أعضائها، ومن هنا يسمى المجتمع بأنه متطور ومعقد وقادر على أن يتثاقف وأن يمتلك حضارة. بعكس مجتمع تقليدي متشابه يعيد تدوير التخلف من خلال اجترار ذات قيمه البسيطة. صدقا لا أجد في اختلاف الرأي أو طريقة التفكير أو حتى الممارسة مع أيا كان ومهما كان تباينها، سوى زاوية رؤية مختلفة عني، قد لا أحبها ولا أستسيغها وأحيانا لا أستطيع التعايش معها إلا بتجاهلها لحدية اختلافها معي. ومع ذلك ما زلت أرى أنها الجانب الآخر لي كإنسان، إنها الضفة الأخرى من ممارسة الحياة وإنتاج الأفكار والرؤى والسلوكيات.