منذ أسابيع أطلق الاتحاد الوطني الإيطالي للمزارعين مبادرة «تاكسي الحمير» خدمة للزبائن في الأسواق الرئيسة الراغبين في نقل مشترياتهم إلى منازلهم، وذلك بعد بلوغ أسعار المحروقات مستويات قياسية، وللحدّ من تلوث البيئة الناتج عن عوادم وأبخرة سيارات الأجرة وغيرها من المركبات. وقال بيان الاتحاد إن 88 % من البضائع في إيطاليا يتم نقلها عبر الطرق البرية وهذا من شأنه أن يزيد نسبة التلوث البيئي الأمر الذي تجابهه بفاعلية، وتحد من أخطاره الصحية مساهمة «الحمير» في النقل، ولهذا ارتفع عددها أخيراً في إيطاليا وناهز 36 ألف «حمار» بعد أن كان هذا الحيوان مهدداً بالانقراض. وانطلاقاً من هذه الحالة يتبيَّن لنا أنَّه كلّما هَبَّت وارتفعت أسعار المحروقات أصبحت أوروبا بحاجة ماسة إلى زيادة عدد «حميرها»، مع الانتباه إلى أن كثرة عدد «الحمير وليس» «المستحمرين» في بلدٍ ما تدل على وجود بيئة نظيفة قائمة على التفكير المنطقي السليم الذي يؤدي إلى البدء في إنشاء مزارع نموذجية لتربية «الحمير» وتحسين نسلها وتأصيلها. وللحقيقة، فقد وقع على «الحمار» – تاريخياً – الكثير من الظلم معنوياً ومادياً وَصَلَ إلى درجة الاحتقار المتوّج بالازدراء والسخرية، فَوُصِفَ بالغباء المطبق والحمق والبَلَه، برغم كل الخدمات والمهمات الشاقة التي قدّمها ويقدّمها لبني البشر، حتى أن المجتمعات الغربية وبعض العائلات الشرقية ومن ضمنها العربية قد فَضَّلَت ومَيَّزَت الكلاب والهررة على «الحمير»!! وقَدَّمَتْ لها كل أسباب الراحة والرفاهية، وذلك من دون أن تقوم في المقابل بإنجاز أي خدمة! فكان لها مستشفياتها وأنواع مأكولاتها وأماكن استحمامها وصالوناتها التجميلية ومقابرها الغنّاء، إلى جانب احتفالاتها وأعياد ميلادها!! وكنا قد كتبنا في إحدى مقالاتنا السابقة بأن التطور ومرور الزمن يساهم في تحويل «القرية» إلى «مدينة»، فيقّل فيها عدد «الحمير» لصالح تكاثر وجود السيارات ومركبات النقل المتنوعة، وهذا بحد ذاته أدَّى إلى حدوث خللٍ كبير في التوازن، ليس فقط من الناحية البيئية وإنما من الناحية «الاجتماعية» وطبيعة العلاقات بين الناس، فلقد ظَهَرَ بوضوح أن انحسار وتراجع عدد «الحمير» في المجتمع، قابَلَهُ تكاثر في عدد «التيوس»!!! وبعد أن شُقَّت الطرقات واتَّسَعَت وتَعَدَّدَت الأوتوسترادات والجسور و»الهاي وايات» ، وبدأت سلسلة الكوارث عليها جرَّاء سرعة السيارات والشاحنات، وعدم احترام قوانين السير وسقوط الضحايا يومياً إن لم يكن على مدار الساعة، حيث لم يعد هناك من مساحة مهما صَغُرَت ليمرّ عليها «حمار»!! حتى أنني أطلقت صرخة نداء قائلاً: خذوا كل طرقات الزفت العربي.. وأعيدوا لنا» حميرنا»!! لقد كانت مبادرة الإيطاليين جيّدة وحضارية: إنسانياً وبيئياً.. أيها القارئ العزيز إنني على شبه يقين بأن البلاد التي ستعلو في ربوعها أصوات «النهيق» هي بلاد آمنة، بيئياً واجتماعياً..!!