لا يكاد يمر أسبوع في فرنسا وإيطاليا دون أن تكتب الصحف عن مبادرة جديدة يكون الحمار محورها وتصب كلها في مصب واحد هو أن الحمير تقدم خدمات كثيرة للإنسان أصبح من الضروري إقرارها ومن ثم الاضطرار إلى تصحيح الصورة التي يحملها الفرنسيون والطليان عن هذا الحيوان. وآخر هذه المبادرات هي تلك التي كشف عنها مجلس بلدية مدينة "تريفيس" الإيطالية القريبة من البندقية. فقد قرر المجلس شراء ستة حمير بهدف استخدامها لتخليص جوانب الطرقات السيارة القربية من البلدة من الأعشاب التي تنمو فيها. وكان المجلس البلدي يلجأ من قبل إلى شركة متخصصة في قطع مثل هذه الأعشاب بواسطة آلات تستخدم الوقود ويقودها عمال مختصون. فاهتدى بعض أعضاء المجلس البلدي إلى أن استبدال هذه الآلات بالحمير فيه فضائل كثيرة. فقطع الأعشاب التي تنمو عادة قرب الطرق السيارة كان يكلف بلدية "تريفيس" قرابة مئة ألف يورو في السنة.. أما استخدام الحمير لهذا الغرض فإنه لا يكلف في السنة إلا عشرة آلاف يورو. زد على ذلك أن الوقود المستخدم لتشغيل الآلات المعدة لتحقيق هذا الغرض كان يتسبب في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة إلى اللجوء إلى الحمير للقيام بالعملية أي عملية التخلص من الأعشاب التي تنمو على حافة الطرق السيارة القربية من البلدة.وتتطلع قرى ومدن فرنسية وإيطالية كثيرة اليوم إلى الحذو حذو هذه البلدة الإيطالية للتخلص من مثل هذه الأعشاب. وقد سبقت إيطاليا فرنسا في استخدام الحمير لنقل النفايات المنزلية لاسيما في القرى الواقعة على قمم الجبال والتي يصعب على الشاحنات دخول كثير من شوارعها وطرقها الملتوية والضيقة. واتضح أن التجربة إيجابية على مستويات كثيرة. فهي تسمح مثلا بتوفير أموال كثيرة. وهي تتيح أيضا الحفاظ على البيئة علاوة على كونها تسمح بإعادة ربط علاقات اجتماعية جديدة بين السكان فيها مزيد من الدفء والحميمية بفضل الحمار.الملاحظ أن إعادة الاعتبار إلى الحمير في كل من فرنسا وإيطاليا قد رفع أسعارها إلى حدود غير معهودة في أسواق الدواب لاسيما وأن أعدادها قد تقلصت كثيرا خلال السنوات الخمسين الماضية. ففي فرنسا على سبيل المثال كان عدد الحمير في بداية القرن العشرين يتجاوز مليون حمار. فانخفض العدد إلى عشرين ألف فقط في السبعينات. ويقول بعض مربي الحمير في فرنسا إن هذا الحيوان قادر فعلا اليوم وغدا على الإسهام في الحد من أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية. فاستخدامه استخداما مكثفا في مجال نقل البضائع في القرى والأرياف العالمية من شأنه توفير كميات كبيرة من الوقود الأحفوري. وهذا من شأنه حمل كثير من الدول على تخصيص المزارع المستخدمة لصنع الوقود الأخضر لإنتاج مواد غذائية.