مجتمعنا مجتمع سبّاق في كثير من الأمور، اتضح ذلك جلياً في استخدامه لوسائل التواصل الحديثة (الفيسبوك، التويتر، اليوتيوب، والواتس آب وغيرها)، إلى هنا والأمر عادي، ولكن ما ليس بعاديّ هو انقسامات المجتمع على نفسه، والتعدد في الشخصية، فأصبح كل منَّا له أكثر من شخصية، وهذا مكمن الخطر. في إحصائية حديثة، تصدَّر السعوديون العالم في استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي. من حيث مواكبة أحدث التقنيات، هذا أمر يبعث على الفخر، ولكن هل نحن نستخدم تلك القنوات بشكل رشيد؟ السؤال بشكل آخر: هل نحن نستفيد من تلك التقنيات كما العالم الآخر؟ في إحدى المناسبات الاجتماعية، لفت انتباهنا أحد الحاضرين إلى انقسامنا في المجلس إلى فريقين: فريق من الكبار يناقش الأحداث التي تدور في العالم، وفريق من الشباب منهمك بالجوالات، وقد أمضينا، في مجلسنا ذلك، قرابة الساعتين والشباب في صمت مريب، ولكنهم يتواصلون عن بعد بطريقة صامتة، قد يقول قائل لكل جيل آدابه وسلوكه، ولكن ألا ينبغي أن يكون هناك تواصل بيننا؟ يقول أحدهم عن هذه الوسائل: «إنها قرّبت المتباعدين وأبعدت المتقاربين». الأمر الأكثر خطورة هو أن الواحد منا قد يصبح لديه أكثر من شخصية، واحدة واقعية، والأخرى افتراضية، وقد تجدهما على النقيض من بعضهما! فقد تجد الشخص في واقعه، مثلاً، عبوساً متجهماً، ولا يفرحه واقعه، وربما يكون محقاً، وفي افتراضه مرِحاً وصاحب نكتة! هذا الازدواج في الشخصية قد يسبب بعض المشكلات، مع مرور الوقت. أخشى ما أخشاه أن ينشأ لدينا جيل يعاني من العزلة، ويُصاب بالوحدة «المرضية»، حيث لا يستطيع بناء صداقات أو علاقات اجتماعية، إلا افتراضياً، وعندها سيكون أشبه بالغراب ومشية الحمامة، والتكملة لديكم.