في أكثر المجتمعات تحفظاً على وجه الأرض، يصعب على بعض الأجيال “المعتقة” تقبل مشاركة عموم الخصوصيات. فحتى الاسم يصعب على بعض الرجال البوح به ما لم يكن هناك حاجة ملحة. فكيف بنا مع النساء؟! .. هذا للبعض أكثر سرية من الزئبق الأحمر. أسترجع هناك النقاش العائلي الذي دار قبل سنتين حول مشاركة نساء العائلة في مواقع التواصل الاجتماعي. فهل يكون لهن حسابات خاصة؟ وهل يفصحن عن أسمائهن الحقيقية؟ عندما جاء دوري في الإدلاء، كان الجواب جاهزاً، فهو خيار شخصي تحدده المعنية من دون تدخل الجنس المتسلط على هذا القرار. في قرارة نفسي كنت أؤمن بأن الهوية الإلكترونية هي واقع حتمي وإن لم يعيه غالبية مجتمعنا في الوقت الحاضر وهي مسألة وقت فقط مهما أرجأناها. في النهاية، إنتصرت الحرية الشخصية في العائلة نصراً مؤزراً ولا عزاء للسلطة الذكورية. لكن الهوية الإلكترونية في عموم المجتمع السعودي لاتزال موضع حيرة عند الكثير. فنجد شخصيات عامة تتساءل عن المغزى من إنشاء حساب في الفيسبوك أو التويتر. حتى أن مسؤولاً كبيراً سألني مرة، عن جدوى وضع سيرته في “Linked In”. لم نعي، كمجتمع، أن أهمية وحتمية الإفصاح عن هويتنا بالشبكة العنكبوتية هو جزء من اتصالنا بالعالم الافتراضي الذي سيصبح هو الرئيسي مع مرور الزمن. وأن التخلف عن الإفصاح سيعيق مزامنتنا مع المجتمع، ويؤخر نمونا معرفياً. لايزال الكثير من الرجال، الذين يجب أن يفخروا بأنفسهم وقد تجاوزوا سن الحكمة، يتسمون بمعرفات مثل “عزوز الذيب” و “الخاين” أو “المرقب” أو “الحب الحزين” أو بإفصاح أكثر ك”أبو محمد الأول”. عداك عن الجنس الآخر المجبر على عدم الإفصاح، حتى عن المعرف الرمزي. فنحن لدينا مشكلة حقيقية في تحمل تبعات الإفصاح عن مكنوننا المتناقض. حيث نتحرج من التصريح داخلياً بتشويش فكرة تتضاد مع المنطق السليم وممنوعات المجتمع المحافظ. أصبحنا مخلوقات من نوع خاص معاقة عن التصالح مع الواقع الحقيقي. لنحمل هويات متناقضة، نلبسها مثل قبعات المناسبات الفكتورية، حسب المجلس أو الموقع. نلبس قبعة الدين في مجلس العائلة الذكوري العام، قبعة “العيارة” في الخاص، الرومانسية في التويتر والفيسبوك والاحترافية في ال “Linked In”. مشكلتنا هنا أعمق من أن يحلها بعض الوقت. فتأصل التناقض هو أساس في تكويننا. لذا أرى أنه “بدري علينا” كجيل مخضرم بين مجتمعين، مجتمع العادات والتقاليد ومجتمع الإليكترونيات أن نبوح بما هو مباح..