حسمت السعودية معركتها مع الأمية التي كانت ضاربة بأطنابها في العالم العربي وغيره وليس في بلادنا وحدها، فوصلت إلى %4 بعد أن كانت نحو %65 قبل أربعين عاماً، وبدأت وزارة التربية برنامجها «مجتمع بلا أمية» للانتهاء من النسبة القليلة الباقية، وعلى مجتمعنا اليوم بجميع مؤسساته الحكومية والمدنية أن يعيد تعريف الأمية، فلم تعد الأمية لدينا بعد هذا الإنجاز الكبير تقتصر على عدم القدرة على القراءة والكتابة، وقبل أكثر من ثلاثين عاماً كتبت عن أن بعض خبراء التعليم يرون أن الأمي هو من يقتصر على لغته القومية فقط، وقبل سنوات بدأ الناس يتحدثون عن الأمية الإلكترونية، وأن الأمي هو من لم يستطِع التعامل مع التقنيات الحديثة، فإذا كنا في السابق ونحن طلاب في المدارس نقرأ ونكتب الرسائل لمن لا يستطيعون القراءة والكتابة ونعدّهم أميين، فإن هناك في سنواتنا هذه من يستعين بأبنائه أو سكرتاريته أو زملائه لطباعة خطاب على الحاسوب أو إرسال واستقبال بريد إلكتروني، وهذه الأمية تطال حتى بعض كبار القوم من أساتذة الجامعات والأدباء والمسؤولين، وهي تشبه إلى حد بعيد الأشخاص الذين كانوا يشترون الونيتات في الطفرة الأولى من معارض السيارات ويطلبون من البائع بعد الشراء أن يوجهها باتجاه الطريق، وتم التعارف عليهم وقتها باصطلاح «وجهها». الإنجاز الكبير في معركة محو أمية القراءة والكتابة يجب أن لا يشغلنا عن أميات أخرى زاخرة في مجتمعنا، أهمها أمية التعصب بشتى أشكاله الاجتماعية والمذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية، وهي أخطر بكثير من أمية القراءة والكتابة، فالأخيرة واضحة وبسيطة، والأمي فيها لا يعرف القراءة والكتابة، ويعرف أنه لا يعرف، فيتعلم وهو يشعر بداخله أنه محتاج للتعليم، بينما أمي التعصب لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف، بل يتوهم أنه سيد العالمين، وفي شهاداته ووضعه الاجتماعي وموقعه الثقافي أو الديني أو الاقتصادي حصانة له من اتهامه بالأمية، ويدعي في الوقت نفسه الوعي والانفتاح وقبول الآخر أو الاستعداد للحوار معه، بينما هو في حقيقة الأمر يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وتظهر بعد ذلك في فلتات اللسان والتغريدات وبعض التصرفات العفوية المفاجئة التي بدأت تفضحها مقاطع اليوتيوب، وعسى أن نسمع يوماً تصريحاً بأن بلادنا كسبت أيضاً معركتها مع التعصب.