من جوار بيت الله الحرام، ومن المكان الذي انطلقت منه رسالة الإسلام للبشر كافة، من مهبط الوحي أم القرى، شهدت مكةالمكرمة، عام2008 م أول مؤتمر إسلامي لتأصيل الحوار مع الحضارات والديانات الأخرى. لما لهذا الحوار من أهمية، في ظل الظروف التي تعيشها الأمة، وقد تبنته رابطة العالم الإسلامي، وهي أكبر منظمة إسلامية لها وزنها العالمي في رعاية مصالح المسلمين وخدمة الإسلام وقضاياه، ولهذه المنظمة علاقاتها الدولية ليس فقط مع الهيئات والمنظمات الإسلامية الإقليمية والدولية، وإنما لأن لها أيضا علاقاتها الوثيقة مع مؤسسات المجتمع المدني العالمية والمؤسسات الرسمية التي تهتم بالحوار مع الآخر وتوثيق حوارالديانات والتعاون مع المنظمات الدينية العالمية من أجله، وجاء مؤتمرقمة التعاون الإسلامي الذي شهدته أروقة البيت الحرام أمام الكعبة المشرفة،في ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي، ليطلق فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله دعوته لإنشاء مركز عالمي للحوار بين الديانات وأصحاب الملل في الرياض، وهي دعوة صادقة منه للوسطية ونبذ الغلو. فالذي نشهده من حوار ونقاش وجدال بين أطراف متعددة متشددة على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، يؤكد أننا نوغل في الغلو ونتمسك بالطائفية البغيضة ولا نختلف بشأنها بل نقتتل، مع أن أمة الإسلام أمة وسط. في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، أخذت القوى العداونية تواصل مخططها لغرس مشاعر الكره والعداء للإسلام والمسلمين. عندها اجتمع الملك عبدالله بن عبدالعزيز -وكان وليا للعهد- بالعلماء ورجال الدين، وذكرهم بالأيام العصيبة التي تمر بها الأمة -وما أشبه الليلة بالبارحة- وقال لهم (إنكم الآن هدف للمغرضين وأعداء الدين، فلا تأخذكم العواطف ولا يستفزكم أحد، فنحن كما قال عز وجل (وجعلناكم أمة وسطا) فلا غلو في الدين.. (وكررها ثلاثا).. وكأنه أراد أن يعطيهم مفتاح الحل لقفل أبواب الشر. لم يرتض الله سبحانه وتعلى الإسلام للناس دينا،إلا لكونه الدين السمح الكامل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهو دين تسامح ومحبة وسلام، بل الإسلام دين لا يأتي شريعته ودستوره الباطل من بين يديه ولا من خلفه. منذ بزوغ فجره والحوار بينه وبين الحضارات الأخرى قائم ودائم .كانت أولى ثمرات هذا الحوار، ما دار بين النجاشي ملك الحبشة والمسلمين المهاجرين في الهجرة الأولى، من حوارالحق الذي صم الكفار آذانهم عنه وضاقت به صدورهم، وضيقوا الخناق على المسلمين بالحصار والأذى، وبحوار النجاشي مع المسلمين، انتقلت رسالة الإسلام إلى مجال أرحب، إذ آمن النجاشي بما جاء به رسول الله ولم يقبل به الكفار، وأيقن أنه الدين الحق الذي أرسل به الله عيسى من قبل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الوفود التي جاءت لتحاوره من مختلف أنحاء الجزيرة وهو في المدينةالمنورة وأقام معهم الحوار، وكان الأشهر حواره مع وفد نصارى نجران، فقد حاورهم في دينهم وجادلهم بالبينات كما أمره ربه، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وأبرم معهم العقود والمواثيق بناء على ما دار بينه -صلى الله عليه وسلم- وبين الوفود من حوارأرضى الطرفين، تلك هى المبادئ التي كانت أساسا في بناء الدولة الإسلامية في المدينة، والقواعد التي قام عليها الإسلام، للحفاظ على العلاقات الإنسانية ونشر العدل والحق بين الشعوب؛ فالحوار مهم في تأسيس كيان أي مجتمع متلاحم متضامن، والقرآن المعجزة الإلهية والمنهج الرباني العظيم، أكد في أكثر من موقع في آياته،على ضرورة الحوار.