الحوار مع غير المسلمين .. هل هو ضرورة؟ هل هو حاجة إسلامية أم إنسانية عامة؟ لقد أجاب عن هذا السؤال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله من خلال دعوته أمم العالم وشعوبه للحوار، وحدد - أيده الله - الغاية من ذلك، كما بين نهج الإسلام وأسلوبه الحكيم الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وإذا كان هذا يؤكد أن الحوار ضرورة واجبة، وفرصة تحقق التفاهم بين البشر، والتعاون بينهم على تحقيق المصالح الإنسانية المشتركة، فان رابطة العالم الإسلامي انبرت لحمل رسالة خادم الحرمين الشريفين، وتفعيل دعوته، وهاهي تستعد الآن لعقد (المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار) تحت رعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين وفقه الله خلال الفترة من 26- 1429/5/28ه، وعلى مشارف هذا المؤتمر التقت "الرياض" معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي فكان الحوار التالي : @ قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله مبادرات عالمية كثيرة لتحقيق المصالح البشرية، حتى سُمي (ملك الإنسانية) ومن آخر مبادراته دعوته الأمم والشعوب وأتباع الأديان والحضارات إلى الحوار.. كيف تنظر رابطة العالم الإسلامي إلى هذا اللقب العالمي؟ وكيف ستتعامل مع دعوته حفظه الله إلى الحوار في برامجها المستقبلية ؟ - المملكة العربية السعودية لها مكانة متميزة في العالم الإسلامي وفي العالم أجمع، لاعتبارات عديدة فهي الدولة المركزية للمسلمين وهي الدولة التي نشأت على أساس من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فالمملكة منذ أن تأسست على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وهي تهتم بشؤون المسلمين، وبالقضايا الإنسانية وقد واصل تلك المسيرة بعد الملك عبدالعزيز أبناؤه البررة حتى تسلم الراية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - وهم جميعاً يحملون الرسالة الإسلامية للعالم، ورسالة الإسلام رسالة منفتحة؛ لأنها رسالة للناس كافة تهدف إلى إسعاد البشرية بدين الله الإسلام، كما أن الإسلام يتضمن أسس الرسالات الإلهية السابقة جميعاً، وفي كتاب الله كثير من قصص الأنبياء، وفي السنة النبوية كثير مما ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، ولا شك أن الملك عبدالله من هذا المنطلق يحمل هماً كبيراً تجاه المسلمين وتجاه الإنسانية أجمع. ومن المعروف أن الإنسانية تعاني الآن أزمات خطيرة، وهناك من يغذي الصراع بين الأمم والمجتمعات والثقافات وأتباع الأديان، وهذه الأزمات سواء كانت في المجال البيئي أو الصراع الثقافي أو في مجال الأسرة وغيرها مجالات كثيرة، بحاجة إلى أن تواجه بأسلوب يستفيد من كل إيجابية لدى أي فئة من الفئات، ومعروف أن أهل الحضارات والثقافات وأتباع الرسالات الإلهية متفقون على قضايا مشتركة تسهم في حل الأزمات الإنسانية، فإقامة العدل ومحاربة الظلم والإرهاب والاهتمام بالبيئة وقضاياها والاهتمام بالقيم الخلقية الفاضلة، كل هذه القضايا مما يتفق الناس عليها، بصرف النظر عن دياناتهم وحضاراتهم وعن المجتمع الذي يعيشون فيه، وبذلك يمكن أن تتعاون الأسرة البشرية في مواجهة هذه الأزمات، ومن هنا فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بحكم معرفته الأوضاع العالمية، وعلاقته مع مختلف دول العالم وقادتها، أدرك الخطورة التي تواجهها البشرية، خصوصاً في قضية الأسرة وفي قضايا أخرى، فأكد في عدة مناسبات أهمية الحوار . وعن نظرة الرابطة إلى دعوته حفظه الله، فلا يخفى أن رابطة العالم الإسلامي منظمة إسلامية شعبية عالمية، تُعنى بالقضايا التي تهم المسلمين وتهم البشر، ولذلك حرصت كثيراً على التفاعل مع اهتمام خادم الحرمين الشريفين في قضية الحوار، وكانت فيما مضى مهتمة بقضية الحوار، بل هي من أهم المنظمات المهتمة به، وأعني بذلك الحوار المثمر، وليس الحوار في قضايا جزئية بسيطة، ولذلك اهتمت بهذا الموضوع ودرسته دراسة عميقة، وجمعت مختلف الوثائق التي مرت بها تجارب الأمة الإسلامية السابقة في الحوارات في مختلف المؤتمرات التي عقدت، والوثائق التي صدرت عن مؤسسات دينية أو ثقافية أو حضارية، كما اطلعت على كثير من الأفكار في هذا المجال، لأن الناس على فئتين، فئة مع الأسف لا تؤمن بالحوار وتشجع على الصراع والخلاف والنزاع، والفئة الأخرى تدعو إلى الحوار لحل المشكلات. ومن خلال هذه الدراسة رأت من الأهمية بمكان عقد مؤتمر عالمي للمسلمين، من أجل وضع خطة يسيرون عليها في قضية الحوار، حتى يفهم ما المراد منه، وما الموضوعات التي يتطرق إليها الحوار، ومع من نتحاور، وما الإستراتيجية التي ينبغي أن تسير عليها الأمة الإسلامية؛ لأن المسلمين في حوارهم مع غير المسلمين ينبغي أن يكونوا في صف واحد وتوجه واحد، وليس هناك ما يمنع أن يمارس الحوار بشكل فردي أو تمارسه كل دولة على انفراد، ولكن الاستراتيجية والخطة ينبغي أن تكون واحدة وهذا ما اتجهت إليه الرابطة في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي سيعقد بتوفيق الله في 26- 1429/5/28ه، ومما يميز هذا المؤتمر أنه سيكون تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويعقد في مكةالمكرمة بجوار بيت الله الحرام، ولا شك أن هذه خصيصة متميزة، وسيحضر عدد كبير من علماء المسلمين، سواء أكانوا من البلاد العربية أم البلاد الإسلامية أم من الأقليات المسلمة حتى يستفاد من التجارب والخبرات المتنوعة في هذا المجال. @ إذا كانت دعوة خادم الحرمين الشريفين رسالة إسلامية للعالم، فهل يمكن للرابطة أن تفتح الحوار مع الفاتيكان بعد أن توقفت عن متابعة هذا الحوار قبل عدة سنوات؟ = أولاً : الرابطة لا تعطي الأولوية في الحوار للقضايا الدينية، فالحوار المطلوب الذي تركز فيه هو الحوار النافع من خلال تقويم التجربة السابقة، وهو يركز في القواسم المشتركة التي لا خلاف عليها، أما من يفكر من الناس أو يتصور أن الحوار هو في قضايا دينية، أو ما يسمى تلفيق الأديان أو وحدة الأديان، فهذا غير وارد، بل التجارب أثبتت أن نتائجه ضعيفة أو معدومة، والذي يهمنا هو التحاور في المصالح المشتركة وفي الأشياء التي لا تتعارض مع ديننا الإسلامي، وتعود بالنفع على المسلمين وعلى غير المسلمين، ولذلك فإن مجال الحوار مفتوح مع أتباع النصرانية واليهودية وأتباع الفلسفات الوضعية المعتبرة مثل البوذيين والهنادك، ومع أي فئة من الفئات في العالم لديها تصورات في مجال التعاون والبحث في هذه القضايا، والأصل أن أتباع الرسالات الإلهية ينبغي أن يكون بينهم تعاون أوثق، لكون الرسالات الإلهية في أصلها وأساسها واحد، هو الدعوة إلى إخلاص العبادة لله، والعودة إليه سبحانه وتعالى لكونه خالق البشر وطاعته واجبة، وأتباع الرسالات الإلهية أولى من غيرهم في أن يكون بينهم تعاون، ومن هنا فالمجال مفتوح مع أي مؤسسة دينية، سواء أكان ذلك في بلاد عربية أم بلاد إسلامية أم في مختلف دول العالم، وحتى بين أتباع الفلسفات الوضعية. @ إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حاور المشركين واليهود ونصارى نجران فلماذا يقف بعض علمائنا موقفاً مضاداً لدعوات الحوار المحصورة بين أتباع الأديان؟ - بعضهم يخشى أن يُجر أو ينجر الحوار إلى التساهل في قضايا هي واضحة أو صريحة في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أؤكد أن الحوار المطلوب لا يعني التنازل عن أحكام شرعية، وأنا ذكرت في مقابلة تلفزيونية أن خادم الحرمين الشريفين يؤكد ذلك في مختلف المناسبات، وهو حريص كل الحرص على التمسك بالكتاب والسنة، وأنه لا ينبغي أن نتنازل عن أمر ديني أو واجب شرعي، وليس البحث كما قلت في الخلاف الديني، وإنما هو في القواسم المشتركة، ومن هنا يتصور بعض الناس أن الحوار ربما يجر إلى التنازل عن قضايا دينية، وهذا غير صحيح، لذا يجب علينا في المؤسسات الإسلامية وفي مراكز الأبحاث وفي وسائل الإعلام ووسائل الثقافة أن نظهر ما ينبغي أن يكون عليه الحوار حتى يكون هذا واضحاً للمثقفين وللعلماء، فأي مثقف غيور حريص على دينه، وينبغي أخذ الحيطة في أن لا ينجر المسلمون إلى قضايا تؤثر عليهم في دينهم. ونحن نؤكد أن الحوار لا يعني التنازل عن أساس من أسس الدين ولا فيما في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما أجمع عليه العلماء المسلمون، لكنه حوار في التعاون المشترك وفي المنافع المشتركة، وهذا موجود في التاريخ الإسلامي كله، فمنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعبر التاريخ الإسلامي، تبادل المسلمون مع غيرهم منافع ومصالح وبحثوا في قضايا مشتركة، وإن وثيقة المدينة واضحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما انتقل إلى المدينة والمهاجرون معه، عمل وثيقة واتفاقاً بين الطوائف الموجودة في المدينة، تركز في التعاون والمواطنة، وتركز في قضايا بعيدة عن القضية الدينية، فإذاً نحن يهمنا بالفعل أن يكون هناك حوار يبدأ أولاً داخل المجتمعات العربية والإسلامية، لأن هذه المجتمعات في بلاد المسلمين فيها أناس غير مسلمين، لكنء هناك اتفاق على قضايا تتعلق بالوطن وتتعلق بمصالح مشتركة، والمسلمون لديهم مذاهب متعددة يمكن البحث والحوار في القضايا المشتركة بينهم على الرغم من اختلاف هذه المذاهب، وفي الحوار بين المسلمين وغير المسلمين تبادل للمنافع والمصالح، وبحث وتفاهم من خلال القواسم المشتركة. @ تعج شبكة الإنترنت بآراء يحرم أصحابها الحوار مع أتباع الأديان في الوقت الحاضر بحجتين : الأولى أننا الطرف الأضعف، والثانية أننا معتدى علينا في فلسطين وفي العراق على سبيل المثال، فهل لديكم رؤية خاصة بهذا الشأن؟ - أولاً : هل ضعف المسلمين يمنع من أن يقوموا بأداء رسالتهم؟ إن الهدف من الحوار إيضاح الحقائق، والبحث في قضايا مشتركة نستفيد منها نحن المسلمين، والحوار هو الفرصة المناسبة ليعرف كثير من الآخرين ما عليه المسلمون وما يقره الإسلام من التسامح والعدل ومحاربة الإرهاب وأنه رحمة للإنسانية كلها، أما كون المسلمين في حالة ضعف، فرسولنا صلى الله عليه وسلم حينما كان في مكة ومعه المسلمون، كانوا في حالة ضعف، ومع ذلك كان بينه وبين القبائل حوار، وبينه وبين المشركين حوار حيث عرض دعوته على مختلف الناس، وذهب إلى الطائف، وهاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، وكان بينهم وبين غير المسلمين حوار، وحينما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كانت تفد إليه الوفود، فالإسلام بدأ وهو ضعيف، لكن من خلال حمل رسالة الإسلام والتواصل مع الآخرين، اقتنع كثير من الناس بالإسلام، بل حتى المغول الذين هدموا عاصمة المسلمين وأساؤوا للمسلمين دخلوا فيما بعد في دين الله من خلال الاحتكاك بالمسلمين والنقاش معهم، وأصبحوا قوة إسلامية فيما بعد، فإذاً لا يعني ضعف المسلمين أن لا يقوموا بالحوار، حتى وإن وقع عليهم اعتداء، بل بالعكس، إن قوتنا الحقيقية في حضارتنا، وفي ديننا وفيما لدينا من قيم، يمكن أن تسهم في حل مشكلات البشر ومشكلات الأسرة، لننظر إلى الأسرة في أوروبا الآن أو في الغرب عامة، إنها تعاني من مشكلات لا حل لها، إلا إذا استفادت مما لدى المسلمين، وذُكِّرت شعوبها بما دعت إليه رسالات الله من القيم الفاضلة والحفاظ على الأسرة وتماسكها، وفي الغرب كذلك انطلقت دعوات الصراع بين الحضارات التي نسمع عنها من بعض المفكرين، وهذه دعوات تزيد من العداء للمسلمين وتزيد الإشكالات بينهم وبين غيرهم، نحن نريد أن نقول للناس : إن ديننا دين سمح ودين عدل لا يصادر حقوق الآخرين، كما أنه دين يحث على التفاهم والتعاون بين الناس، وهذا يتم عبر الحوار. @ ترأستم خلال توليكم أمانة الرابطة وفود الحوار في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وروسيا.. مع من تحاورتم؟ - كانت اللقاءات مع شرائح كثيرة من رؤساء دول أو مسؤولين كبار في كل دولة من هذه الدول، وكان لديهم تصورات عن المجتمعات الإسلامية وعن المسلمين غير صحيحة، فكان النقاش وتبادل الأفكار وتبادل الآراء معهم لتصحيح الأخطاء ضرورياً، وهناك أيضاً الشريحة الأكاديمية حيث عقدنا لقاءات مع أساتذة الجامعات والأكاديميين ومسؤولي مراكز البحوث، وهم من أقرب الناس للتفهم لقضايا عديدة، وخاصةً ما يتعلق بالإسلام وبالرؤية الصحيحة لهذا الدين، كذلك كانت هناك لقاءات مع برلمانيين ومع مسؤولين في المنظمات العالمية، وفي مختلف الدول أثيرت قضايا مهمة تتعلق بالإسلام وبالمسلمين وبالتعاون بين الأمم والمنظمات على ما فيه خير المجتمعات الإنسانية، إضافةً إلى اللقاءات الإعلامية التي كان هدف وفودنا منها الدفاع عن الإسلام، والتعريف بمبادئه الصحيحة. @ ما هي موضوعات الحوار في تلك الندوات التي شاركت فيها وفود الرابطة؟ - الهدف من هذه الوفود هو بيان حقيقة الإسلام وأنه يختلف عما يقال عنه في بعض الوسائل الإعلامية الغربية من أن الإسلام يشجع الإرهاب، وأن المسلمين أمة لا تريد التعاون مع الآخرين، ومن خلال رؤيتنا فإن تلك الحوارات واللقاءات أثمرت ثمرات كبيرة، ويندر أن ينتهي الاجتماع إلا ونحن نحس أن الجانب الإسلامي حقق الكثير من النتائج الإيجابية في هذه الحوارات، ومن أهم تلكم النتائج تغيير قناعات المحاورين الآخرين وتصحيح تصوراتهم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين. @ كيف تقيمون نتائج ذلك الحوار ؟ - أنا أعتقد أنها كانت ندوات ولقاءات نافعة وضرورية، وهي تؤكد علينا نحن المسلمين وبخاصة في رابطة العالم الإسلامي أن تكون لدينا فئات قادرة على الحوار ومؤهلة لهذا الميدان، لأن الحوار يحتاج إلى ثقافات متمكنة ويحتاج إلى رؤية صحيحة في الجانب الديني والجانب التاريخي، فالحوار يحتاج إلى معرفة حال الآخرين، وهذا ما تحتاجه الأمة الإسلامية، وهذا ما سيركز عليه المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي ستعقده الرابطة، فالحوار يحتاج إلى أناس لديهم مقدرة ولديهم تصور واضح، وليس كل إنسان يمكن أن يخوض غماره. @ هل سيستفيد مؤتمركم من هذه التجربة؟ وكيف؟ - إن المؤتمر سيدرس هذه التجربة، وسيبحث ويستعرض كذلك تجارب الحوار خلال (50) عاماً مضت، وسينظر في كل الوثائق والأبحاث والقرارات التي صدرت خلال الفترة الماضية ويقومها، وبالتالي يخرج باستراتيجية وخطة جديدة، والرابطة معروف أن لها تجربة في الحوار منذ أن أسست منذ خمسين عاماً تقريباً. @ نفذت الرابطة في عهدكم عدداً من مناشط الحوار مع غير المسلمين، فلماذا تتغاضى عن عقد مؤتمرات الحوار بين المسلمين وطوائفهم المختلفة؟ - المؤتمرات التي تعقدها الرابطة هي مؤتمرات عالمية، يشارك فيها مختلف الفئات من مختلف المذاهب الإسلامية، ويندر أن نعقد مؤتمراً إسلامياً كبيراً إلا ويدعى له من مختلف المذاهب في البلاد الإسلامية، لأن الرابطة تمثل الشعوب والأقليات المسلمة في العالم، ورؤيتها رؤية عالمية لا تمثل فئة معينة أو مذهباً معيناً، نحن في الرابطة ننظر للمسلمين بشكل عام، فيندر أن يعقد مؤتمر إلا ويصدر فيه رسالة للأمة الإسلامية في أن توحد كلمتها، وأن تنسق جهدها كما أن الهيئات المختصة في الرابطة هدفها الأساس التنسيق بين الجهود في مجال اختصاصها، وهي تحرص على تنسيق جهود المسلمين، ولا تتعامل مع فئة معينة دون الفئة الأخرى . @ المجتمع السعودي يسمع بالمراكز الإسلامية التابعة للرابطة، لكنه لا يعرف شيئا عن دورها في الحوار وتمثيل الدين الإسلامي في الغرب ؟ - هناك تقصير في الجانب الإعلامي، فالمراكز الإسلامية التابعة للرابطة هي مراكز حضارية في مناطقها، مثل المركز الإسلامي في مدريد والمركز الإسلامي في روما والمركز الإسلامي في النمسا والمركز الإسلامي في سويسرا، والمراكز الإسلامية في الدول الأفريقية أو دول أمريكا الجنوبية، وهذه المراكز مرجع للمسلمين في تلك الدول، وفي نفس الوقت هي ملتقى لكل إنسان يريد التعرف على الإسلام والمسلمين، ومهمتها لا تقتصر فقط على رعاية المسلمين، بل إنها تتيح الفرصة للمعرفة والبحث والنقاش مع غير المسلمين، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدةالأمريكية، زادت هذه المراكز من نشاطها في إيضاح حقائق الإسلام، لأنها أصبحت تستقبل وفوداً وتستقبل استفسارات، وقد ركزت على عقد الندوات والمؤتمرات وإصدار النشرات التي توضح حقيقة الإسلام، ونحن في حاجة إلى أن نهتم بالجانب الإعلامي وأن تزيد هذه المراكز من جهدها، وتحقيق أهداف رسالتها الأساسية في المنطقة التي توجد فيها، ومن المصلحة أن يكون الناس على علم ومعرفة بما تقوم به هذه المراكز. @ ما هي الفائدة في حوار الرابطة مع أتباع الملل والثقافات الشرقية كالبوذية والهندوسية والسيخ وغيرها؟ - أولاً هؤلاء في مجتمعات كبيرة، ويمثلون فيها ثقلا كبيرا، وفي تلك المناطق التي توجد فيها هذه المجموعات مسلمون، وهناك قواسم مشتركة بيننا وبينهم، فلديهم قناعات في بعض المجالات، وخاصةً في مجال الأسرة، أو ما يتعلق بالقيم وبعض الأخلاق يتفقون فيها معنا، وبالتالي التعاون المشترك معهم مهم، بل إن الاهتمام بهم قد يكون أولى من الاهتمام بالعالم الغربي، لأن العالم الغربي لديه سوابق أثرت على العلاقة بين الحضارة الغربية والإسلامية، بينما العالم الشرقي لا يحمل رؤية سلبية عن المسلمين كما هو موجود بالنسبة للحضارة والثقافة الغربية، والإنسان حينما يذهب للهند أو الصين أو اليابان، يجد أن هناك انفتاحا واستعدادا وإمكانية للتفاهم مع المسلمين، ونحن رسالتنا عامة لكل البشر : (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) فينبغي أن نحاور أهل الكتاب أو أتباع الرسالات الالهية والآخرين الذين لديهم رؤى وثقافات مختلفة، ولا مانع من أن نحاور الذين لا يؤمنون إطلاقا من أجل أن يعرفوا حقيقة الإسلام وأنه رسالة إلهية عالمية. @ هل لكم أن تذكروا لنا المحاور التي سيناقشها المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار؟ - المؤتمر سيركز أولا على التأصيل الشرعي للحوار وسيضع نهجا له يشمل ضوابط الحوار، وآداب الحوار، ومن الذي يقوم بالحوار، وسيركز أيضا على مع من نتحاور، وهل نقتصر في حوارنا على أهل الكتاب، أو نفتح المجال للتواصل والتحاور مع مختلف الفئات، نحن في الرابطة نرى أن يفتح المجال مع كل الفئات، لكن وفق أسس وضوابط شرعية يسار عليها، لذا فالمؤتمر سيركز على آلية الحوار، وهذا ما ينبغي أن يهتم المسلمون به، بمعنى أن يكون هناك آلية متفق عليها بين المسلمين، تنسق الجهود وتكون متكاملة وغير مبعثرة بحيث لا تكون كل مجموعة أو كل دولة بعيدة عن الرؤية الإسلامية المشتركة، هذه القضايا هي التي سيهتم بها المؤتمر في الدرجة الأولى. @ ما هي المنافع التي يمكن أن تحققها الأمة الإسلامية من الحوار مع غير المسلمين بشتى مللهم وأجناسهم وثقافاتهم؟ - من أهم المنافع أن يتعرف غير المسلمين على حقيقة المسلمين والإسلام، وأن يعرف المسلمون كذلك ما لديهم من أفكار ورؤى، تسهم في تصحيح الأخطاء، وفي تقوية العلاقات بين الناس وتعارفهم على الخير وتحقيق المصالح البشرية، والتعاون لابد أن يسبقه التعارف، ولن يكون ذلك إلا على أسس ومنطلقات يكون فيها خير للمسلمين، وفيها خير للإنسانية أجمع، إلى جانب الاهتمام بشأن المسلمين في تلك المناطق مثل الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أو في العالم الشرقي، في اليابان أو الصين أو الهند، ومناطق عديدة أخرى للمسلمين فيها وجود تاريخي وحضاري متمكن، فحينما يتواصل الحوار بين العالم الإسلامي وبين تلك المجتمعات فإنه يحقق نفعا للأقليات المسلمة. @ وسائل الإعلام ومؤسساته هي الوسيلة الفاعلة والمحركة للحوار، أين الهيئة الإسلامية العالمية للإعلام ، وهل سيستمر دورها غائبا؟ وكيف تتفاعل الرابطة إعلاميا مع العالم قبل أن تُفعَّل مهام الهيئة؟ - الهيئة في فكرتها الأساسية لها شأن كبير، لكن مع الأسف لم توفق حتى الآن في تجاوز العقبات الأساسية في تأسيسها، ولا تزال تحاول أن تطور نفسها كي تنطلق، ونحن نأمل أن يتم هذا الأمر في وقت قريب. @ الإسلام دين عالمي، فكيف تحقق رسالة الرابطة هذه العالمية في برامجها؟ - هذا المؤتمر سيحقق كثيرا من أهداف الرابطة، لأنه سيفتح المجال أمام المسلمين، ليلتقوا مع القيادات الثقافية والإعلامية والأكاديمية والدينية في البلدان المختلفة، لمناقشة كثير من القضايا، حتى تخف الأزمات والصراعات بين المجتمعات، وبالتالي يفهم العالم حقيقة الإسلام. @ في الوقت الذي ندعو فيه إلى الحوار بين الحضارات تزداد الدعوة في الغرب إلى صراع الحضارات .. كيف تتعامل الرابطة مع هذه الثنائية المتضادة ؟ - نحن نريد أن نخفف من هذه الثنائية، بمعنى أن نواجه فكرة صراع الحضارات ونركز على مناقشة الموضوع، ونشجع ما هو مضاد لفكرة صراع الحضارات. @ شاركتم في مؤتمرات الحوار الحضاري في كازاخستان التي عقدت برعاية رئيس الجمهورية نور سلطان نظر باييف، ما هي نتائج هذه المؤتمرات؟ وكيف تقيمونها؟ وهل سيستفيد مؤتمركم منها ؟ - من الطبيعي أن يستفيد مؤتمرنا منها، لأنه سينظر في التجارب السابقة جميعا ثم سيضع آلية مناسبة تنسق بين هذه الجهود، ففي كازاخستان المؤتمر الذي رعاه فخامة رئيس جمهورية كازاخستان، وفي بعض الدول العربية لجان وهيئات للحوار، وهنالك مؤسسات للحوار في بلاد غير إسلامية، وهذا المؤتمر سينظر في مختلف هذه الهيئات وهذه المؤسسات، وسيضع آلية مناسبة للتعاون بينها، وأشير هنا إلى أن مشاركة الرابطة في مؤتمرات الحوار العالمية مثل مؤتمرات كازاخستان تحقق أهداف الرابطة في التعريف بالإسلام. @ هل هناك تعاون عملي بين رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي في مجالات التعريف بالإسلام والدفاع عنه، وما هي المناشط المشتركة بين الطرفين؟ -هناك لجان مشتركة بين الجانبين، والرابطة لها اتصال مباشر مع منظمة المؤتمر الإسلامي بحكم أن كلتا المنظمتين في المملكة العربية السعودية والأهداف في المجال الثقافي والتربوي متقاربة، والرابطة بينها وبين البنك الإسلامي تعاون كبير وبينها وبين الايسيسكو اتفاقية، وهما من المنظمات التي تتبع منظمة المؤتمر الإسلامي، كذلك فإن المؤتمرات التي تعقدها الرابطة يشارك فيها منسوبو المنظمة، والمؤتمرات التي تعقدها المنظمة يشارك فيها منسوبو الرابطة. @ أشادت قمة دكار بجهود الرابطة في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثنت على تأسيسها صندوقا لاستئناف هذه المهمة .. كيف يمكن للرابطة أن تتعاون مع الحكومات الإسلامية في القيام بواجب الدفاع عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم والرموز الإسلامية المقدسة التي تهان بين حين وآخر؟ - هذا الموضوع يعتبر من الموضوعات التي سيتطرق إليها مؤتمرنا في مكةالمكرمة، والمركز العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم التابع للرابطة والذي أشيد به في قرارات قمة داكار خاطب بعد مؤتمر القمة مباشرة العديد من الدول والسفارات، ووزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية لها جهد متميز في هذا المجال، من حيث الاتصال بالجهات المختصة، والمركز له برنامج مفصل للاتصال مع العديد من الدول، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية. @ أعلنتم سابقا أن الرابطة بصدد تكوين لجنة أو هيئة قانونية لمتابعة الحملة على الإسلام في المحاكم الدولية وتجريم المسيئين لهذا الدين العظيم .. فهل تم تكوينها وماذا أنجزت؟ وإذا لم تقم، فما هو برنامجكم لهذا الشأن؟ - لدينا الآن فكرة أكبر من اللجنة، وهي إيجاد اتحاد أو رابطة للمحامين المسلمين سواء كانوا في البلاد الإسلامية أو غير الإسلامية وهذا المشروع سيكون من أبرز مهامه ما يتعلق بقضية تمثيل المسلمين في القضايا الدولية، يرفع القضايا وينظر في الوضع القانوني لأوضاع الأقليات الإسلامية والمشكلات التي توجه ضد الإسلام والمسلمين، وكيف يستفاد من الوضع القانوني الدولي بشأنها. @ وهل سيكون المشروع تحت مظلة الرابطة؟ - هذا المشروع بدأت الرابطة فيه، لكن لم تتضح صفته أو شكله حتى الآن، لأنه لابد أن يجتمع المعنيون بهذا الأمر للبحث فيه . @ لُوحظَ أن هناك هيئات ذات مهمام مشتركة في الرابطة مثل الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام والهيئة العالمية للمسلمين الجدد والبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة .. ألا ترون أن توحيدها في هيئة واحدة يعطيها قوة في مهامها وبرامجها وتحقيق أهدافها؟ - بالنسبة للبرنامج المختص بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم سيتحول إلى مركز، وله هدف محدد وسيستفيد من جهود من مختلف الهيئات، أما هيئة التعريف بالإسلام وهيئة المسلمين الجدد فالرابطة الآن لديها دراسة لدمجهما في هيئة واحدة. @ هل تتواصل الرابطة مع المنظمات الدولية كهيئة الأممالمتحدة والمؤسسات التابعة لها لمعالجة ما يتعلق بالإسلام والمسلمين ... وكيف؟ - الرابطة عضو في بعض مؤسسات هيئة الأممالمتحدة وتشارك في المؤتمرات التي تعقد بشكل دوري مما للرابطة علاقة به، وهناك مراسلات تخاطب بها الرابطة الأمين العام للأمم المتحدة تتضمن الكثير من القرارات التي تصدر من الرابطة أو لها علاقة بالشأن الإسلامي بشكل عام. @ في ختام هذا الحوار ماذا تطلبون من المشاركين في هذا المؤتمر؟ - إن المشاركين في المؤتمر شخصيات كبيرة ومتميزة في العالم الإسلامي ومن بلاد الأقليات الإسلامية ارى ان هذه فرصة حينما يلتقي هذا العدد الكبير بمكةالمكرمة ويشارك في مؤتمر يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (حفظه الله) فهي فرصة لتقديم الرؤية الحريصة على إصلاح أوضاع المسلمين، وعلى إسهام المسلمين في الحضارة الإنسانية بشكل عام، ومواجهة المشكلات التي تواجهها البشرية ولا شك أن حضورهم فرصة تستدعي من كل إنسان أن يفكر تفكيرا جادا فيما يمكن أن يقدمه لأمته وللإنسانية أجمع.