مدخل: قال تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . بعد هذا المدخل الذي يتناول تاريخ الحوار الإسلامي المسيحي في العصر الحديث، سأتناول في المبحث الأول العلاقة بين الإسلامية والمسيحية في السنّة النبوية. ويتناول المبحث الثاني العلاقة بين الإسلام والمسيحية في صدر الإسلام، والمبحث الثالث يتحدث عن مبادرة الملك عبدالله المعاصرة لحوار الأديان، والمبحث الرابع يناقش مدى استجابة الزعماء الدينيين والقادة السياسيين المسلمين لمبادرة الملك عبدالله. كمدخل مختصر لتاريخ حوار الأديان، وعلى وجه الخصوص الحوار الإسلامي المسيحي، أشير إلى أنه قد ظهرت حركة الحوار الديني عند الكاثوليكيين مع أتباع الأديان الأخرى في مؤتمر الفاتيكان الثاني (1962-65)، حسبما ذكر الأستاذ الدكتور ليونارد سويدلر، في مقدمة مقالته «المسلمون في الحوار: نشوء الحوار». أما عند المسلمين السنيين المعاصرين، فقد بدأ التوجُّه إلى حوار الأديان بمبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان، وهي مبادرة تاريخية لها أساس راسخ في مصادر الشريعة الإسلامية المتمثلة في القرآن والسنّة، وسيأتي تفصيل هذه المبادرة في المبحث الثالث. المبحث الأول: العلاقة بين الإسلام والمسيحية في السنّة النبوية لقد تضمّنت الكتابات القديمة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه شواهد على وجود الحوار الديني. ومن ذلك قصة الراهب بحيرا التي وردت في كتب السير الإسلامية مثل سيرة ابن هشام (الجزء 2، ص 216)، والطبقات الكبرى لابن سعد (الجزء 1، ص 120)، وتاريخ الطبري لمحمد بن الطبري (الجزء 2، ص 279). فلقد روي أنّ الراهب بحيرا أخبر عم النبي صلى الله عليه وسلم عن تكهُّنه بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. وهناك شاهد آخر رواه البخاري في صحيحه (الحديث رقم 3) وذلك أنه أول ما نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه اصطحبته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان نصرانياً يكتب بالعبرانية، فأخبر الرسول بقوله نصاً: (لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلاّ عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً)، ولكن بعد أيام قليلة توفي ورقة. لقد كانت العلاقة بين المسلمين والنصارى في صدر الإسلام علاقة حميدة. فحين اشتد إيذاء مشركي مكة للمسلمين حتى بلغ مبلغاً يفوق التحمُّل، أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة وذلك عام (615 ميلادية، 5 هجرية)، مخبراً عنها أنها أرض أمان وأنّ حاكمها حاكم عادل. ولقد ذُكر فيما بعد وبالتحديد في عام (619 ميلادية، 9 هجرية) أنّ النجاشي وهو ملك الحبشة وكان نصرانياً، ذكر أنه بعث ابنه برسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره فيها أنه قد اعتنق الإسلام. ولقد أحسن النبي صلى الله عليه وسلم استقبال ابن النجاشي ومن قَدِموا معه وكانوا على دين النصرانية، وعندما توفي النجاشي في نفس العام، أقام النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الميت على النجاشي في المدينة كما روى الإمام مالك في الموطأ (الحديث رقم 1292). المبحث الثاني: العلاقة بين الإسلام والمسيحية في صدر الإسلام كان الخلفاء من بعد النبي عليه الصلاة والسلام يراعون مراعاة شديدة أصحاب الديانات الأخرى عند تطبيقهم للأحكام. ففي الأراضي التي حكمها المسلمون، استطاع أهالي تلك الأراضي والمسلمون القادمون إليها من السكان الجدد، أن يتعايشوا بأمن وسلام. ولقد وجّه الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتباعه، لاتخاذ مبدأ التسامح في تعاملهم مع سكان تلك المناطق الجديدة التي دخلها المسلمون حديثاً. وقد اعتنى عدد من الباحثين النصارى بتلك الوثائق التي تدل على حسن معاملة المسلمين للنصارى في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومن ذلك ما ذكره نيومان في كتابه الحوار الإسلامي المسيحي المبكر: مجموعة وثائق من الثلاثة قرون الإسلامية الأولى (632-900 ميلادية) - ترجمة وتعليق (هاتفيلد، PA: معهد أبحاث الإنجيل متعددة التخصصات، 1993، ص.7)، حيث ذكر نيومان الحوار الذي جرى بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقادة جيوشه، وأورد نيومان ترجمته إلى الإنجليزية. وفي القدس وسوريا كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الخليفة الثاني، احتكاك بالنصارى، وأشار نيومان كذلك إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التقى بالأسقف جبريل. ولقد عاشت المسيحية واليهودية والمجوسية والسامرائية والسبأية تحت ظلال الحكم الإسلامي، وكان الحوار بين المسيحية والإسلام أكثر عمقاً في مصر التي كان يقطنها كثير من الأقباط المسيحيين، وقد تطرّق لتلك العلاقات بتفصيل ترتون في كتابه «الخلفاء ورعاياهم غير المسلمين: دراسة نقدية لميثاق عمر» (لندن: مطابع جامعة أكسفورد، 1930، ص. 5). ولقد كان من أوائل الأمثلة على الحوار الديني بين الإسلام والمسيحية ما جرى بين عمرو بن العاص والبطريرك جون الثاني، وكان مثالاً على ما كان من تسامح قائم في العلاقة بين الديانتين في ذلك الحين، وقد ترجمت هذه النصوص أول مرة إلى الفرنسية حيث ترجمها (F. Nau في Journal Asiatique 1915، ص. 225-279). المبحث الثالث: مبادرة الملك عبد الله المعاصرة للحوار بين الأديان لقد عرف العلماء وكثير من القراء الأعزاء الدافع وراء الحوار الذي جرى في أوائل العهد الإسلامي، وربما اطلعوا على الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو لمجادلة أهل الكتب بالتي هي أحسن وتفسير أهل العلم لها، وربما اطلعوا على الأحاديث النبوية الشريفة وأخبار الخلفاء المتعلقة بالعلاقة مع أهل الكتاب وكيف كانت تقديراً واحتراماً متبادلاً وحفظاً للحقوق، ولهذا لم أسهب في ذكر تفصيلاتها وأدلتها وشواهدها. والذي أريد الإشارة إليه والإشادة به في هذه المقالة، هو مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لحوار الأديان والدعوة للسلام، والتي تشمل «إعلان مكة» (يونيو 2008) الموجّه للقادة الدينيين المسلمين، ويتلوه «مؤتمر مدريد الدولي للحوار» الذي يخاطب كافة الزعماء الدينيين في العالم (يوليو 2008)، ومبادرة الملك عبدالله في نيويورك الموجّهة لقادة العالم السياسيين (نوفمبر 2008)، وتوّج ذلك إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات الذي تم تأسيسه في فيينا، وافتتاحه منتصف هذا الشهر من هذا العام بحضور الأمير سعود الفيصل ووزير خارجية النمسا. كان الكثيرون يرون أنّ المملكة العربية السعودية بلد منغلق ليس فيه من التعددية الدينية إلاّ قليل، وليس فيه احترام للأديان وأهلها، ولكن جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتميزة في مجال حوار الأديان جاءت لتصحح هذه النظرة. فلقد وضعت مبادراته الثلاثة فرقاً بين الحوار الديني والسياسي، ولقد حققت ريادة قوية للبلاد على المستوى العالمي. وفي هذه المقالة سأركّز الحديث على الجهود المتتابعة والمدروسة بعناية مراعية حال المجتمع وثقافته، والتي كانت تراعي وتقدر أهل العلم وتقدر وجهاء البلد وقياداته وتنزلهم منزلتهم، كما تأخذ في عين الاعتبار المتغيرات العالمية وضرورة أن تواكب المملكة العربية السعودية المنظومة الدولية، وتعزز مكانتها وتتخذ المكانة الريادية التي هي محلها. فبالنظر لتأسيس مبدأ الحوار، نجد أن خادم الحرمين الشريفين كرّس جهوداً لنشر ثقافة الحوار على المستوى الوطني قبل إطلاق مبادرة حوار الأديان العالمية. وبالتحديد في عام (2003) ميلادية، حيث أنشأ الملك عبد الله - وكان ولياً للعهد آنذاك - مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بهدف تعزيز الحوار غير الرسمي بين أتباع المذاهب المختلفة داخل المملكة، ولضمان حقوق الأقليات الدينية. ولقد قام المركز منذ إنشائه بتدريب ما يزيد على (000‚150) سعودي من مختلف مناطق المملكة. لقد كان تأسيس الحوار الوطني ممهداً لإصدار «نداء مكة لحوار الأديان» الذي أعلن في المؤتمر الإسلامي العالمي لحوار الأديان، والذي تولّت تنظيمه رابطة العالم الإسلامي برعاية من الملك عبدالله من 4 إلى 6 من شهر يونيو سنة (2008). ولقد أكد الملك عبدالله على أهمية الحوار في الإسلام، وذكَّر المشاركين بأنّ الرسائل السماوية ما جاءت إلاّ لخير البشرية، ولحفظ كرامة البشر، ولتعزيز القيم الأخلاقية. ولقد دعا المشاركين للانضمام معه في مبادرته لحوار الأديان قائلاً: (إننا نستهل حوارنا من الثقة التي نستمدها من الإيمان بالله، وبما تعلّمناه من التسامح في الدين وأن نتبادل الأفكار بأفضل الطرق وأكثرها تهذيباً، فما اتفقنا عليه فإننا نلزمه ونضعه في قلوبنا، وما اختلفنا حوله فإننا نردّه إلى قول الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }). ولقد ناقش المشاركون أربع قضايا مهمة وهي: أولاً، شرعية الحوار في الإسلام. ثانياً، منهجية الحوار وقواعده ووسائله. ثالثاً، مع من نتحاور. وأخيراً، أسس وموضوعات الحوار. ولقد أضاف المشاركون في حوار مكة تسعة أهداف للحوار؛ أهمها أنّ الحوار يساعدنا على التعرف على أتباع الديانات والثقافات الأخرى، وأن نضع سوياً مبادئ مشتركة تحقق لنا التعايش السلمي وأمان المجتمع الإنساني. وعلينا أن نتعاون في نشر القيم الأخلاقية، والصدق، والخير، والسلام، ومقاومة الاعتداء، والاستغلال، والظلم، والانحراف الخلقي، والتفكك الأسري وغيرها من الشرور التي تهدد المجتمعات. وبعد استعراض التحديات التي تواجه البشرية، أصدر المؤتمر بياناً موجهاً لجميع الحكومات والمؤسسات والشعوب بغض النظر عن دياناتهم وثقافاتهم، وفي ختام المؤتمر، عبّر المشاركون عن شكرهم العميق للملك عبدالله على رعايته لهذا المؤتمر الكبير، وعلى الأمل الذي بثه فيهم بدعمه لقرارات المؤتمر وتوصياته. وفي مدريد بأسبانيا، بادر الملك عبدالله بإقامة مؤتمر لحوار الأديان، وكان ذلك في (16 - 18 يوليو سنة 2008). وفي هذا المؤتمر وسّع الملك عبد الله دائرة المشاركين، ودعا ممثلي الأديان الرئيسة لأن يضعوا قاعدة مشتركة. ولقد افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله مع ملك الدولة المضيفة خوان كارلوس، افتتحا مؤتمر الحوار الدولي بمناداة المؤمنين الصادقين من أتباع الديانات الرئيسية لمحاربة الأفكار المتشددة، وإيجاد أرضية مشتركة، وتغذية روح السلام. ونلاحظ من خلال خطابات الملك عبدالله - حفظه الله - أنه يرى أن السبب في الانقسامات بين الأديان العالمية ليس متعلقاً بالإيمان بالله، ولكن بالآراء الضالة والمفاهيم الخاطئة. وفي ما يلي نص خطابه: (نحن نؤمن بإله واحد، هو الذي أرسل الرسل بما فيه خير البشرية في هذه الدنيا وفي الآخرة. ولقد اقتضت مشيئة الله، والحمد له، أن يختلف الناس في عقائدهم. ولو شاء الله تعالى لجعل الناس جميعاً يتبعون ديناً واحداً. ونحن هنا مجتمعون لنؤكد على أن الديانات التي اختارها الله تعالى لتحقيق سعادة البشر، لا بد من أن تكون طريقاً لضمان هذه السعادة). ولقد ضم المؤتمر ممثلين من الإسلام، واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية والشنتوية، والكنفوشية، للتأكيد على القيم المشتركة التي تتضمنها عقائدهم المحترمة. ولقد تركز المؤتمر على أربعة محاور رئيسية: (أ) أهمية الحوار في المجتمع الإنساني. (ب) أسس الحوار الديني والمدني. (ج) المظاهر الإنسانية المشتركة في الحوار. (د) تقييم الحوار وتشجيعه. ولقد ختم الملك عبد الله خطابه في هذا المؤتمر بقوله: (إذا كنا نريد النجاح لهذا المؤتمر التاريخي، فإنّ علينا أن نركز على الصفات والقواسم المشتركة التي توحّدنا، وهي تحديداً، الإيمان العميق بالله، المبادئ الحميدة، والقيم الأخلاقية الرفيعة، التي هي أساس الدين). أما آخر محطات الحوار فكانت في نيويورك، عندما وجّه الملك عبدالله خطابه للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل السلام، من خلال حواره وذلك في (12 نوفمبر عام 2008)، حيث بدأ حواره كما يلي: (بحضور هذا الاجتماع الذي يضم قادة وممثلين دوليين، وأعضاء الجمعية العامة - وهي ضمير الأممالمتحدة - وأمام العالم بأكمله، فإننا نقول بصوت موحد أن الأديان التي اختارها الله تعالى من أجل سعادة البشرية، ينبغي أن لا تتحول إلى أدوات تتسبب في الشقاء، فلقد خلق البشر على هذا الكوكب ليكونوا شركاء متساوين؛ فإما أن يعيشوا بسلام وانسجام، وإلا فسيكون من المحتوم أن تلهبهم نيران سوء الفهم، والحقد والبغضاء). ولقد كان هناك نوع من التماثل بين مبادرة الملك عبدالله، ومبادرتان سابقتان إحداهما من الملك خوان كارلوس ملك أسبانيا، سنة 2005، تبعتها ودعّمتها مبادرة رئيس الوزراء التركي عام 2006. فلقد دعا كلاهما إلى تحالف الحضارات، وقد تم إنشاء لجنة في الأممالمتحدة لتحقيق هذه المبادرات، ولهذا السبب، وباعتباره للتماثل القائم بين هذه المبادرات، فقد قال الملك عبدالله ما يلي نصه: (في هذه المناسبة، اسمحوا لي أن أدعو المشاركين في حوار مدريد لانتخاب لجنة تمثلهم وتتولى مهمة إقامة الحوار للأيام والسنوات المقبلة. وسنكمل ما بدأنا به لنمد أيدينا لجميع أنصار السلام، والعدل، والتسامح ولكن، من أجل تحقيق حوار مستمر، وعملي، وأكثر واقعية، فلا بد من أن يشمل المؤتمرات العالمية أو المؤسسات الممثلة لجميع الأديان). ولقد ذكَّر الملك عبدالله في ختام خطابه جميع المشاركين بآية من القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } المبحث الرابع: مدى استجابة الزعماء الدينيين والقادة السياسيين المسلمين لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بداية أشير إلى أنّ هذا البلد المملكة العربية السعودية ينتمي إليه المسلمون السنيون وهي الفئة الغالبة، كما ينتمي لهذا البلد أيضا أقليات لها مكانها من الشيعة، والصوفية، والإسماعيلية وغيرهم. بالإضافة إلى ذلك، تضم السعودية أعداداً كبيرة من الجاليات المسلمة، والمسيحية، والهندوسية، وغيرها، ولكن بغضّ النظر عن تعدُّد الديانات، فإنّ القانون الذي يلتزم به الجميع مستقى من المذهب السني. وقد اتخذت حكومة المملكة بعض الإجراءات لمواجهة ذلك، فبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تم إقامة برنامج معتمد لتدريب المدربين يدعى «تعزيز ثقافة الحوار» وذلك في شهر يوليو من عام (2009). ولقد دار النقاش بين الألف والمئتي متدرب، بما فيهم (500) متدربة، وبحضور سماحة المفتي ورئيس مجلس الشورى وعدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة، ودار النقاش بينهم حول كيفية التقدم بالحوار في المملكة. وانتهى الحوار باقتراح معالي وزير الثقافة والإعلام إطلاق قناة تلفزيونية متخصصة في الحوار. أكّد أكثر من 500 عالم من أنحاء العالم الإسلامي، وهم المشاركون في مؤتمر مكة المقام في يونيو 2008، أكدوا على دعمهم للملك عبدالله في جهوده لخدمة حوار الأديان. وفي خطابه أمام الجمهور الدولي في الجلسة الافتتاحية، ذكر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية، أنّ الحوار بين البشر من ضرورات الحياة وأنه سبيل للتعايش، والتعارف، وتبادل المصالح بين الأمة الإسلامية والشعوب الأخرى، وذكر أنّ الخلاف موجود دائماً في طبيعة وأخلاق الشعوب مختلفة اللغات والأعراق، والطبائع، ومستويات المعرفة. وأكد على أنّ الأصل في جميع الرسالات السماوية أصل واحد لأنّ هذه الديانات منزلة من عند الله وأن دين الله واحد. وقال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي في خطابه في مكة: (نحن نعمل على إتاحة التواصل وفتح قنوات للحوار مع أتباع ديانات ربانية ومذاهب شرقية، من منطلق إدراك الرسالة المحمدية). ومن الجلي أن المقصود من «الديانات الربانية» هما الديانتان اليهودية، والمسيحية، و»المذاهب الشرقية» المذهبان الهندوسي والبوذي. وهذا التوافق والانسجام التام بين القيادة السياسية والقيادات الدينية سواء المحلية المتمثلة في رأي سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أو القيادة الإسلامية على المستوى العالمي، ومثالها رأي معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، حيث يتبيّن من رأيهما تركيزهما على مضمون دعوة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان وموافقته للشريعة الإسلامية. وهذا الموقف من هذين العالمين الجليلين يغاير ما قد يسلكه بعض من ينتسب للعلم ويتسلّط به ليفتي ويحكم في كل صغيرة وكبيرة سواء كانت من الشأن الداخلي أو الدولي، وعادة ما تكون أحكامهم نابعة من عجلة، وقد تؤدي إلى نتائج غير محمودة. ومن جانب القادة السياسيين، فلقد وجّه الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابه في القاهرة إلى العالم الإسلامي (خطاب الرئيس في القاهرة: بداية جديدة، 4 يونيو 2009) قائلاً: (إنّ الدين ينبغي أن يجمعنا. وهذا هو السبب وراء إقامتنا لمشاريع اجتماعية في أمريكا للتآلف بين المسيحيين والمسلمين واليهود. وهذا هو السبب وراء ترحيبنا بأي جهود كمبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان وقيادة تركيا لتحالف الحضارات. فنحن من كافة أنحاء العالم بوسعنا أن نحول الحوار إلى خدمة تنفع المجتمع، لأنّ وضع الجسور بين أتباع الديانات المختلفة يقودهم إلى العمل - سواء كان هذا العمل مكافحة الملاريا في أفريقيا، أو تقديم الإعانات بعد كارثة طبيعية). ولقد علّق وأثنى الكثير من السياسيين على مبادرة الملك عبدالله، بل إنّ بعضهم قد عمل بمقتضاها. وقد قال معالي سفير خادم الحرمين الشريفين في أمريكا، عادل الجبير: (لقد نشأت هذه الفكرة من منطلق إيمان الملك عبدالله بأنّ هناك قيماً عالمية يشترك فيها كثير من الأديان، ولو ركّزنا على هذه القيم العالمية، فإننا سنرى أنّ ما يربطنا كبشر أكثر بكثير مما يسبب انقسامنا). يجب أن نعترف بالاختلاف الموجود بين الإسلام والمسيحية. ولقد انتهى مونتغمري وات في دراسته المقارنة بين الإسلام والمسيحية في كتابه «الإسلام والمسيحية اليوم: مساهمة للحوار، ص 144» إلى ما يلي: (لكن يبقى بين الإسلام والمسيحية كثير من الاختلافات على نقاط الاهتمام وخلاف واحد أو خلافين في الركائز). إنّ مهمتنا الآن هي أن نضع هذه الاختلافات على طاولة الحوار. (*) كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية