قد لا ينتهي عقاب أصحاب السوابق عند حكم القضاء فقط، فكثيراً ما يأبى المجتمع منحهم فرصة الحياة والعفو، بل ويمتد عقابهم لآخر يوم في حياتهم، من خلال عدم تقبلهم أو التعامل معهم، الأمر الذي يعرضهم لكثير من المعاناة، ولا يسمح لهم بالتعايش مع أفراد المجتمع من جديد. ويتحدث شاب (تحتفظ “الشرق” باسمه) عن معاناته التي عاشها بعد خروجه من السجن بتهمة السرقة، من نفور أصدقائه وجيرانه وحتى أقاربه منه، فلم يعد بإمكانه إتمام دراسته أو الحصول على عمل بعد أن أصبح ذا سابقة، رغم أنه يؤكد بأنه تاب توبة صادقة، يعكسها سلوكه الواضح لمن كان له بصيرة، ويوضح بأن العذاب الذي عاشه وهو خلف قضبان السجن، أهون بكثير من العذاب الذي يكابده خلف أسوار المجتمع، فعلى الرغم من مرور عامين على خروجه من السجن، وانتظامه في عمله الذي التحق به مؤخراً، وسلوكه الملتزم، لايزال كثيرون يتخوفون منه. كما أشار بوسعد إلى المعاناة التي كابدها وهو يبحث لابنه المذنب التائب عن عروس يتزوجها، فبالرغم من استقامته، إلا أنه لاقى الأمرّين، بسبب سابقته، حتى تمكن من العثور على زوجه. وفي الوقت الذي قد يكابد فيه الذكور المشاق كي يتعايشوا مع المجتمع بعد التوبة، لا تلقى الفتاة أي فرصة لذلك، فهي الأسوأ حالاً، فقد تقبل توبة الشاب بعد عناء، بينما يرفض المجتمع تقبل توبة الفتاة، وحتى إذا منحت فرصة تظل مراقبة ومشكوكاً في أمرها. فقد أمضت أمل سبع سنوات بعد خروجها من السجن بتهمة السرقة وهي محاطة بالشكوك والتعليقات الجارحة.وللناس آراء في معاملة المذنب، حيث يرى أحمد السهيل أنه من الخطأ أن نجبر المذنب على دفع الثمن مرتين، لأننا بذلك ندفعه على العودة للذنب، موجهاً لأهمية النظر لتوبة المذنب، ومساعدته عليها.أما مساعد المبارك فيشير إلى أن المذنب بحاجة لصبر ووقت ليعيد بناء ثقة مجتمعه به بالتدريج، مبيناً أن استعادة الثقة أصعب من كسبها، مناشداً المجتمع بعدم حرمان التائب حق قبول التوبة والعفو. بينما يرى محمد صالح أن المشكلة هي كيفية التأكد من صدق توبة صاحب السابقة، خاصة في مسألة الزواج، ولهذا يؤكد على ضرورة الصبر، ومنح الوقت، حتى لا يلحق الضرر بأحد الأطراف. من جهتها، أكدت الاختصاصية الاجتماعية فتحية صالح على صعوبة تقبل أفراد المجتمع المحافظ لمن سبق لهم الوقوع في الجريمة، أو التعامل معهم، خاصة الفتيات، وذلك يعود لغياب الوعي المجتمعي، وعدم وجود الرغبة في المشاركة في تحمل المسؤولية، وقالت “يتطلب الأمر جهوداً كبيرة لإيجاد التوازن بين التائبين والمفاهيم السائدة في المجتمع، كما علينا أن نقوم بمتابعة المذنب بعد خروجه من السجن نفسياً، لمساعدته على مواجهة وضعه الجديد، وتوجيهه بما يضمن له التأقلم مع البيئة المحيطة به، ولهذا يتوجب على ذوي المذنب الوقوف إلى جواره في تلك الفترة وإعانته على تجاوز الأزمة”.